2 أيار 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

عام أوّل أتممناه

محمود مروّة

27 تشرين الثاني 2023

العدد الخامس

(1)

قبل عام،

في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، واحد من أيام الإثنين الذي تخللته المهمات والأعمال نفسها، وغروب خريفي ساحر آخر هناك في بلدة المرسى التونسية على المتوسط، انطلق موقع المراسل بصفته تجربة خاصة في الصحافة المكتوبة.

تجربة تمويلها مستقل ذاتيّ، وتعوّل منذ انطلاقتها الخجولة على مراكمة العمل والإنتاج في الزمن، فيما تراهن مهنياً على إنتاج نصوص تتمسّك بقيمة النثر الصحافي وتشرّع الأبواب للتطوير في مساحة حرّة للتجريب والتنويع.

بنى المراسل فكرته الأوّلية على تصوّر لعملية إنتاج «تُصَحفِن» العالم وتُشعِل الحدود النزاعية بين صحافي/كاتب/باحث يأتي نظرياً واختزالاً بمعلومة أو بعمل إبداعي، وبين محرِّر تبدأ مهماته من «تحرير النصوص من معوقات على مستوى اللغة والبنية تمنع وصول المعلومة أو الفكرة» لتبلغ التدخل المباشر في بناء نثر صحافي وتطوير المقاربات والمضامين.

يكون المحرِّر وفق هذا التصوّر حامي طبيعة الإنتاج الصحافية، وهو المسؤول بجزء كبير عن إيجاد السبل لتحويل أي حدث، أو: لا حدث، إلى مسألة ونص صحافيين.

كنّا على يقين أنّ المستقبل في الصحافة المكتوبة زمنٌ لا يموت، وأنّ علينا المساهمة، حتى بصورة بالغة المحدودية، في إعادة الإنتاج لمثاليات هذه المهنة وقواعدها وتقاليدها وأنواعها.

 

اليوم،

أتممنا لتوِّنا عامنا الأوّل، برفقة أكثر من 30 كاتباً وصحافياً وبإنتاج بلغ نحو 80 نصاً من أنواع مختلفة.

ونحن على عتبة عامنا الثاني نتطلع إلى أن نكون أكثر استعداداً وجرأةً من أجل إنتاج صحافيٍ نعمل باستمرار ليكون قدر الإمكان رصيناً وعميقاً وسجالياً حيث يجب.

أثبتت التجربة أنّها ممكنة، وأنّ الرهان على الصحافة المكتوبة رهان صائب، وأنّها في واقعنا العربي على وجه الخصوص لا تزال قادرة على أن تكون مساحة حيّة تعيد إنتاج عالمنا لنقرأه في مقالات رأي وتقارير وقصص صحافية وقصص إخبارية وسِير ومقابلات وريبورتاجات وغيرها من الأنواع الصحافية.

لم نسعَ خلف أحد مصادر التمويل الشائعة: السياسي أو التجاري أو النموذج المؤنجز أو حتى عبر صناديق ومنح. لا نزال نراهن رهاناً يقينياً على نموذج الصحافة المستقلة المموّلة ذاتياً، وأنّه حتى بإمكانات مادية محدودة جداً يكون في مقدورنا «أن نصنع شيئاً من لا شيء».

كذلك صرنا اليوم نعتزّ بدائرة لا تنفك تتسع حولنا من أصدقاء صحافيين وكتّاب وفنّانين وباحثين أكاديميين باتوا يرون في المراسل تجربة جديرة بالوقوف عندها والإسهام في دفعها إلى الأمام.

 

(2)

مهنةُ المراسل هي مهنةُ الصحافة العربية المكتوبة. إنّها «عشبة هوجاء» تتفاعل فيها الممكنات الإبداعية للنثر الصحافي وفنّ القصّ مع صفة تقريرية نراها تتقلص شيئاً فشيئاً لمصلحة الرأي والكتابة المغرقة في الذاتية.

التزامنا هو إدامة التمرّد والسجال في عالم يتهافت على رؤوسنا، وهذا ما يسعى الموقع وكتّاب كثر إلى أن يعكسوه في المواضيع والمقاربات. كذلك نفهم الالتزام على أنّه مفتاح لمقاربة «أزمة واسعة تبدأ من الصحافة ولا تنتهي عند معنى وجودنا المختلف في القرن الحادي والعشرين»، بتعبير الصديق أحمد نظيف.

 

(3)

يتشرّف المراسل في عدده الخامس بنشر نص سردي ننحني أمامه للزميلة عُلا عطا الله الصامدة في مدينة غزّة. كما نصدِر في زاوية أهل الهوى مقابلة مع الكاتب والناشط الفلسطيني ابن حيفا مجد كيّال، تتناول الحرب وواقع فلسطين ونخبها المنفصلة عن الأرض، وكذلك إسرائيل والعالم الذي «باتت غزّة المنظار الوحيد لرؤيته».

في الريبورتاج، نجول في العاصمة المصرية مع الكاتب والصحافي المصري رضوان آدم لنُجهض وإيّاه محاولة مرهقة للهرب من ريبورتاج القاهرة، وهو نص أعِدَّ قبل الحرب على غزّة ودار حول غياب الوَنَس في بلد ميدان التحرير. كان الكاتب قد آثر عدم النشر «انحيازاً إلى أغنية المقاومة المدهشة»، ولكنّ الرأي رسا بعد نقاش طويل على أنّ «هذه الأغنية طاقة فرح ومساحة حرية وبراح للنصوص كافة». 

 

بينما نعكف على تطوير أبواب هذه «الشهرية» التي نصدرها كلّ نحو شهرين، لننقلها من حيّز عفويتها الأولى إلى نطاقات أكثر إبداعاً وإنتاجية، يستعد المراسل في المدى القريب لاستقبال كتّاب وصحافيين جدد، والشروع في نشر سلاسل وملفات متنوّعة بدأنا العمل عليها.

 

(5)

«... إنّ النضال الصحافي يعطي الصحافة القوّة والحيوية؛ والدليل القاطع على ضعف الصحافة هو الميوعة وامّحاء الحدود المرسومة بخطوط واضحة».

اقتباس بتصرّف جوهريّ من رسالة لاسال إلى ماركس في أعلى الصفحة الأولى لـما العمل

محمود مروّة

محرِّر موقع المراسل. عمل في الصحافة المكتوبة في جريدتي السفير والأخبار اللبنانيتين وفي وكالة الصحافة الفرنسية.

×