27 نيسان 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

ابحثوا عن هند!

رضوان آدم

8 شباط 2024

من ملف المعركة
اختفتْ هند رجب البالغة من العمر ست سنوات في 29 كانون الثاني/يناير

ابحثوا عن هند في كل مكان. قلبي يكاد يتوقف يا عالم. إنّها الفرصة الأخيرة لإنقاذ «هنّود». «هنّود» اسم الدلع الذي تفضله هند رجب، الطفلة البالغة ست سنوات والتي خافت عليها أمها من المطر فأركبتها سيارة العم لكنّ القذائف الصهيونية كانت أسرع من المطر. «هنّود» تشبه ابنتي سليمة في الملامح والعمر وطريقة لفّ الضفائر الدائرية الجميلة. ارتجفت هند من قذائف البرابرة الجدد؟. «اختفتْ هند يا بابا؟». اختفت هند لكن ليس بالضبط يا سليمة. ليس بالضبط؟.

اختفتْ هند رجب البالغة من العمر ست سنوات في 29 كانون الثاني/يناير، وسط أعمال القصف الوحشي على مدينة غزّة. نحن داخلون على اليوم العاشر ولم تظهر هند. القذائف استهدفت سيارة العائلة التي احتمت فيها هند من هجوم المطر. غير معروف حتّى الآن إن كانت القذائف أميركية أو صهيونية أو ألمانية أو إنجليزية. لم تظهر أية أنباء عن هوية القذائف لكن يمكن القول إنها خلعتْ قلب هند البالغة من العمر ست سنوات والتي تشبه ضفائرها الدائرية ضفائر سليمة. أغلقت الدبابات كل دوائر النجاة يا هند؟.

أشعرُ بعجز جارح ونادر لإنسانيتي المحطمة يا هند. ابحثوا عن هند يا عالم. اسألوا أنفسكم: ما خطورة هند رجب التي ترتدي في صور مُتاحة على الإنترنت، عُقدًا زهريًا يُشبه عُقد الأميرات الصغيرات في الحكاية الشعبية الفلسطينية؟. من دون مبالغة، اشترت سليمة عُقداً مثله قبل أشهر. قلبي يحدثني أنّ هند على قيد الحياة. ابحثوا عن هند.

 

لماذا يحاصر قطّاع طرق التاريخ والجغرافيا هند رجب البالغة من العمر ست سنوات؟. من قلب براكين النار التقطت هند الهاتف من يد شقيقتها الكبرى «ليان» التي استشهدت وهي تطلب النجدة من أمها ومن الهلال الأحمر الفلسطيني. أصيبت «هنّود» في يديها وظهرها وقدميها. لم تصل القذائف الذكية إلى ضفائر هند؟. يبدو أنّها لم تصل إلى ضفائر هند التي كانت ترتجف من الخوف لأنّ بطارية الهاتف انقطعت فجأة وهي تقول لأمها: «الدبابة جنبنا وصاروا يطخّوا علينا. خليني معاكي يا ماما. أنا بدّي وَنَس».

هند في قلب مدينة غزة التي تقاوم كلاب الحراسة المُتبجحين بنباح الحضارة والأخلاق والعيون الزرقاء والدفاع عن النفس. من أين يأتي قُطّاع طرق التاريخ بهذه الصياغات البلاغية وهم يُخيفون هند رجب البالغة من العمر ست سنوات، والتي كانت تركب في المقعد الخلفي لسيارة العائلة، وهي تختبيء من دبابات جيش الاحتلال في صدر شقيقتها الكبرى «ليان»؟. حتى قُطّاع الطرق الذين ارتكبوا أبشع جرائم الإبادة الجماعية لم يُحاصروا طفلة في عُمر هند.

أين اختفت هند؟. لماذا طلب جيش الاحتلال الصهيوني من هند أن تُخلي غرفتها الجميلة وبيتها في غرب مدينة غزة؟. تحرّكت هند مع عائلتها جنوباً على طول الطريق الساحلي. «هْناك أمان يا ماما من المطر؟». لم ترد الأم على هند. خافت هند؟. لم تخف هند. أمسكت بالهاتف وطلبت النجدة: «ليان استشهدت ياماما وأنا عايشة. ليان نايمة يا ماما . كلهم نايمين وأنا خايفة».

 

ابحثوا عن هند. أين اختفت هند البالغة من العمر ست سنوات والتي تشبه ابنتي سليمة؟. فريق الإسعاف الفلسطيني الذي توجه لإنقاذ هند اختفى هو الآخر؟. ما الحكاية؟. اليوم هو الثامن من شباط/فبراير من عام 2024 ( التاريخ هنا مهم لأننا نريد أن نحسب المدة الزمنية التي مرّت على اختفاء هنّود التي مثلت خطراً بالغاً على أمن إسرائيل وعلى مستقبل الحضارة الغربية).

  • حددي مكانك يا هند بسرعة!. سؤال قاس وغريب من موظفي الهلال الأحمر لطفلة داخل عربة محترقة.

  • جاري مدافع. جاري دبابات. حددت هند مكانها الدقيق؟.

حدّدت هند مكانها الدقيق في صراع إنسان فلسطين ضد الاستعمار. حدّدي مكانك يا هند؟. حدّدت هند مكانها لكنّ سيارة الإسعاف لم تصل إلى هند التي كانت خائفة أكثر لأنّ كل عائلتها ساكتة في السيارة مثلما أخبرت طاقم الهلال الأحمر الفلسطيني. أين اختفت هند؟. «هربت من الوحوش يابابا؟». يبدو كذلك يا سليمة.

 

شعوري عارم بالخوف على هند رجب البالغة من العمر ست سنوات. شعوري عارم بالعجز لكن يجب أن أسأل: أين اختفت هند؟. من بين الصور المتداولة لهند صورةٌ من حفل التخرج من الروضة المدرسية. ترتدي القبعة والزي المُعتاد وهي تضحك. كانت تطوّح القبعة في الهواء وبالطبع كانت تضحك. ابحثوا عن هند التي تضحك في كل الصور. بمنتهى البساطة الدموية حاصرت الدبابات هند؟.

 

  • الدنيا ضلمة. أنا خايفة. أخبرت هند رنا فقية موظفة الطوارىء في الهلال الأحمر الفلسطيني.

كيف تحمّلَ قلب موظفة الطوارىء رجاءات هند رجب البالغة من العمر ست سنوات والتي كانت بالتأكيد ترتجف وغير قادرة على الصراخ بصوت عال لأنّ الدبابات والمدافع إلى جوارها؟. يبدو أنّ الموظفة إنسانة قوية. لو كنتُ مكانها لسقطت بسكتة كلية بمجرد سماع صوت هند: إلحقني يا عمو، أنا خايفة. أنا أضعف مما تتصوّرين يا هند.

لا جديد يا عالم بعد تسعة أيام؟. قرأتُ منشور الهلال الأحمر الفلسطيني على فيسبوك: «لأكثر من 3 ساعات، بقي طاقم الهلال الأحمر على اتصال مع الطفلة هند لتهدئتها في ظل مناشدتها المستمرة لإخلائها من السيارة إلى أن تم التنسيق لتوجُّه مركبات الإسعاف إلى المكان». وماذا بعد؟. لا جديد بعد هذا المنشور؟. أين اختفت هند؟. أين اختفت سيارة الإسعاف؟. استهدفها جيش الاحتلال وأخفى الأمر؟. استهدف هند؟.

إذا كانت هناك أية أهمية لرجائي الشخصي: «ابحثوا عن هند» فليكن رجاءً مزلزلاً تحت أقدام المستعمرين الذين أخافوا هند. خافت هند؟. طالعتُ مقطعاً مصوراً لأم هند تبكي. طالبت أم هند محكمة العدل الدولية أن تتدخل. محكمة العدل الدولية مرّة واحدة يا أم هند؟. قضية هند على مائدة المحكمة الدولية لكن في أطباق مزخرفة يا أم هند.

 

سامحيني يا هند. حلّ الظلام عليكِ يا ابنتي وكنتِ تحت القصف: هل كان بإمكانكِ الهرب من الحصار؟. هل اختبأتِ وسط الركام حتى لا تسمعكِ دبابات الحضارة ومن بعدها تبحثين عن طوق نجاة؟. إذا كان الأمر كذلك فأنت شجاعة وعفارم عليكِ يا هند. إذا كان الأمر وكما تؤكد سليمة أنكِ نجوتِ من الوحوش فابقِ مكانك يا هند. تضحك سليمة؟. تطمئنني عليكِ يا هند؟. قلبي يتوقف؟. ابقِ مكانك واضحكي يا هند.

رضوان آدم

صحافي مصري وقاص وكاتب اسكريبت للفِلم الوثائقي والفِلم القصير. صدرت له في القصّة مجموعتان عن دار روافد للنشر: جبلُ الحَلَب (2013)؛ دَبيبُ النّجْع (2019)؛ وفي الفِلم الوثائقي: يوسف إدريس؛ نجيب الريحاني؛ أسامة أنور عكاشة؛ سليم حسن... حفّار مصر القديمة؛ وفي الفِلم القصير: البلابيصة؛ اختناق القمر.

×