28 نيسان 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

The Economist: غرام هندي غير مسبوق بالشرق الأوسط

المراسل

16 شباط 2024

اجتذبت الهند استثمارات بمليارات الدولارات من دول الخليج العربية (@getty images)

نشرت مجلة The Economist هذا التقرير في 14 شباط/فبراير الحالي، تحت عنوان: India’s unprecedented love-in with the Middle East. في الآتي النص منقولاً إلى العربية:

 

 

في استعراض لا يُضاهى لعضلات بلاده الجيوسياسية المكتشفة حديثاً، زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة. كانت محطته الأولى الإمارات العربية المتحدة، حيث وقّع اتفاقية استثمارية ودشّن مع حشد من 40 ألفاً من أفراد الجالية الهندية أكبر معبد هندوسي في الشرق الأوسط. محطته الثانية كانت قطر، بعدما نجح في التوسط لإطلاق سراح ثمانية معتقلين هنود بتهمة التجسس. أثناء الجولة، كانت عشرات من سفن البحرية الهندية تبحر في المياه القريبة، للمساعدة في حماية حركة الملاحة الدولية من تهديد القراصنة وصواريخ الحوثيين.

الجولة التي بدأت في 13 شباط/فبراير، ربطت بدقّة بعض الخيوط الرئيسية – الأعمال والهجرة والأمن – للتحوّل التاريخي في سياسة الهند في الشرق الأوسط. إذ يعمل مودي على إعادة تزخيم ما يمكن أن يوصف بمبادرته الدبلوماسية الأكثر أهمية منذ توليه منصبه قبل عقد من الزمن: خفض مستوى العلاقات مع إيران واصطفاف بلاده مع إسرائيل ودول الخليج العربية.

قد تكون فوائد هذا التحوّل هائلة للأطراف كافة، وخصوصاً تعزيز الاستثمارات الأجنبية في الهند. كما يمكن أن يساعد في تكريس الهند منافساً للصين في مجالي البنية التحتية والتكنولوجيا في المنطقة. وربما يعطي ذلك ثقلاً للجهود التي تبذلها واشنطن وشركاؤها الخليجيون لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن، لذلك أيضاً مخاطره التي تضاعفت في الأشهر الأخيرة مع انتشار العنف من غزّة إلى البحر الأحمر وما ورائه، ما يهدّد استثمارات الهند ومغتربيها، فضلاً عن سفنها وبضائعها.

جولة مودي ارتبطت أيضاً، إلى حدّ ما، بالسياسة الداخلية في بلاده. فمع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقرّرة في أيار/مايو، كان التجمّع الذي شهدته أبو ظبي جزءاً من الجهود لتعبئة الهنود المغتربين الذين يشكلون أحد المصادر الأساسية للتمويل السياسي. وافتتاح معبد هندوسي في الإمارات ينشّط القاعدة القومية الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا، بعد أقل من شهر من افتتاحه معبداً مماثلاً في موقع مسجد هدمه المتطرفون الهندوس في شمال الهند عام 1992.

كما تعزّز الزيارة الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء والقائمة على تعزيز مكانة الهند عالمياً، بما في ذلك في العالم الإسلامي. ويؤكّد المغتربون الهنود أنّ النتائج واضحة في الإمارات التي زارها مودي سبع مرات منذ 2015، وهو أوّل رئيس وزراء للهند يزور هذه الدولة منذ 1981. ويقول بيسواجيت راي، وهو مصرفي يبلغ من العمر 43 عاماً شارك في الحشد الذي حضر افتتاح المعبد: «لقد زاد احترام الهنود بالفعل. نرى ذلك في مكاتبنا. ونشعر به ونحن نسير في الشارع».

غير أنّ الدعاية الانتخابية ليست سوى حبة كرز تكتيكية فوق الكعكة الإستراتيجية. فرغم أنّ روابط الهند بالشرق الأوسط تعود إلى قرون مضت، فإنّ نفوذها الدبلوماسي هناك تضاءل لعقود من الزمن بعد الاستقلال عام 1947، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى دعم الدول العربية لباكستان. كما أنّ علاقات نيودلهي مع إيران وتضامنها مع الفلسطينيين أعاقت تحسّن العلاقات مع إسرائيل. ويسعى مودي الآن إلى إعادة ترسيخ موقع الهند كأحد اللاعبين الأساسيين في المنطقة.

اقتصادياً، كانت الروابط التجارية بين الهند ودول المنطقة تتحدّد من خلال وارداتها من النفط وصادراتها من العمالة الرخيصة. غير أنّ السنوات القليلة الماضية شهدت توسّعاً في مجالات التجارة الثنائية، وبرزت الإمارات كثاني أكبر سوق للصادرات الهندية. إذ وقّع البلدان العام الماضي اتفاق تجارة حرة لمضاعفة حجم التجارة غير النفطية إلى 100 مليار دولار بحلول 2030. في المقابل، تراجعت العلاقات التجارية والسياسية مع إيران، بعدما أوقفت الهند كل وارداتها من النفط الإيراني عام 2019 بسبب العقوبات الأميركية.

في الوقت نفسه، اجتذبت الهند استثمارات بمليارات الدولارات من دول الخليج العربية الحريصة على الحصول على حصة في أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم. وبلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الإماراتي إلى الهند 9,8 مليار دولار في نصف العقد حتى عام 2023، أي نحو ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في السنوات الخمس التي سبقت ذلك. والتزم أكبر صندوق للثروة السيادية في الإمارات باستثمار 75 مليار دولار في البنية التحتية الهندية. وبالمثل، تعهدت السعودية باستثمار 100 مليار دولار.

وبالتوازي مع الضغوط الأميركية على دول الخليج العربية للبحث عن شركاء بديلين للصين، فازت الشركات الهندية الكبرى بعقود في مجال البنية التحتية. واحدة من هذه الشركات، «لارسن آند توبرو»، تؤكد أنّ نحو 30٪ من حجم الطلبات البالغ 55 مليار دولار يأتي من المنطقة، خصوصاً السعودية. ويتوقع أن تنمو التجارة الهندية مع الإمارات بشكل أسرع بفضل الاتفاقيات التي وقعها مودي أخيراً، ومن بينها اتفاقية استثمار ثنائية، واتفاق لربط أنظمة الدفع الرقمي في البلدين، مع الالتزام بالمضي قدماً في خطة تدعمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنشاء ممر تجاري يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.

ومع نمو العلاقات التجارية، نمت أيضاً الجالية الهندية في الشرق الأوسط. إذ يعمل حوالي 9 ملايين هندي في دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات)، مقارنة بـ 7 ملايين عام 2013. ويقيم في الإمارات وحدها نحو 3,5 مليون، يمثلون 36٪ من سكانها. وفيما معظم هؤلاء من العمّال، شهدت السنوات الأخيرة انتقال عدد أكبر من الأثرياء الهنود وأفراد الطبقة المتوسطة إلى الإمارات، وخصوصاً دبي، بعضهم بسبب جائحة كورونا التي ضربت الهند بشدة. واستخدم كثيرون «التأشيرات الذهبية» التي بدأت الإمارات منذ عام 2019 بمنحها مع إقامة لمدّة عشر سنوات لأصحاب المهن الحرّة ورجال الأعمال والمستثمرين.

يعكس هذا التدفق جهود الإمارات للتأكيد على الانفتاح. في هذا السياق، جاء افتتاح المعبد الهندوسي الذي اقترحه مودي عام 2015، وقدّم له رئيس الامارات، محمد بن زايد، 27 فداناً من الأرض. في لقائهما في أبو ظبي، أشاد مودي ببن زايد ووصفه بـ«أخي»، وشكره على رعايته للجالية الهندية، وقال: «نحن شركاء في تقدم بعضنا البعض»، متعهداً الارتقاء بالعلاقة «القائمة على الموهبة والابتكار والثقافة» إلى آفاق جديدة.

أمنياً، كان التغيّر أسرع. غدت إسرائيل في السنوات الأخيرة واحدة من أكبر ثلاثة موردين للأسلحة إلى الهند. وترى فيها نيودلهي، إلى جانب عدد من دول الخليج العربية، شريكاً مهماً في مكافحة الإرهاب. وتساهم الهند حالياً بشكل ملحوظ في حماية الأمن البحري في المنطقة، مع أكبر انتشار بحري لها على الإطلاق هناك. لم تنضم البحرية الهندية إلى القوات الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر التي ضربت أهدافاً للحوثيين في اليمن، وتركّز بدلاً من ذلك على مكافحة القرصنة في المنطقة الأوسع، إذ تقصّت حوالي 250 سفينة، وصعدت قواتها على متن 40 منها، وهي على تنسيق وثيق مع واشنطن ولندن.

غير أنّ محور مودي عانى من بعض النكسات. بعد الخروج عن الأعراف الهندية بالتعبير عن الدعم القوي لإسرائيل إثر هجمات حماس العام الماضي، اضطرت حكومته إلى تعديل موقفها بعد بضعة أيام وإعادة التأكيد على دعمها لحل الدولتين. جاء ذلك بعد انتقادات شديدة لإسرائيل في الدول النامية، بما فيها الصين التي تعتبرها الهند منافستها على قيادة «الجنوب العالمي». وقد تضطر إلى إعادة تقويم موقفها مجدداً إذا دفعت تصرفات إسرائيل دول الخليج العربية إلى تشديد مواقفها.

كما صُدمت نيودلهي في تشرين الأول/أكتوبر عندما حكمت محكمة قطرية بالإعدام على ثمانية ضباط سابقين في البحرية الهندية بتهمة التجسس لمصلحة إسرائيل. ومن غير الواضح بعد كيف تمكنت من تأمين إطلاق سراحهم، لكنها وقعت الأسبوع الماضي صفقة بقيمة 78 مليار دولار لتمديد عقود واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر حتى عام 2048. ولا شك في أنّه سيكون هناك مزيد من التحديات في المستقبل. لكن مع توسع مصالح الهند في الشرق الأوسط، تتوسع أيضاً شهيتها للمخاطرة. يقول سي. راجا موهان من جامعة سنغافورة الوطنية: «تلعب الهند الآن لعبة ستتأذى فيها أحياناً. ستتعرّض للدفع أو سيتعين عليك دفع أشخاص آخرين. هذا جزء من الانضمام إلى نادي الكبار».

المراسل

محرِّرا المجلة

×