7 تشرين الأول 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

صحوة المحكوم في ذكرى يناير، مقابلة مع «محمود حسين»

تميم هيكل

29 كانون الثاني 2024

نشأ فردُنا في ظروف قاسية تختلف عن تلك التي بزغ فيها الفرد الأوروبي

محمود حسين ليس فرداً. لم يولد يوماً رجل اسمه محمود حسين. هذه شخصية صُنِعت على مهل بين حارات القاهرة القديمة، وعلى شواطئ الإسكندرية، وفي معتقلات القلعة والفيوم والواحات، وفي غرف العمل السري إبّان خمسينيات النهوض الثوري الماركسي. ثم عندما حان وقت ولادتها، كان ربيع باريس، ثورة الشباب أواخر الستينيات، موطناً لها إلى أن شبّت عن الطوق والتهمت أبويها وحجبتهما عن الناس.

هو اسم قلمي، وربما كان حركياً في وقت من الأوقات، لمصريَّيْن اثنين: عادل رفعت وبهجت النادي. ربطتهما صداقة منذ نهاية الخمسينيات ولا تزال حتى اليوم بلا توقف أو انقطاع. ومنذ نهاية الستينيات كتبا معاً عشرات الكتب بهذا الاسم الموحد، وأشهرها الصراع الطبقي في مصر؛ من 1945 حتى 1970[1] (دار الطليعة، بيروت، 1971).

أدركتُ صداقتهما متأخراً بعد وصولي إلى باريس منتصف 2017 مثقلاً بجراح هزيمة الثورة. كان الأمل شحيحاً في تلك السنوات، لكنّهما أعاداه إليّ بسِعة أفق تحليلية تتدبر التاريخ في صورته الكبرى، وتتهادى مع حركة الجماهير الهادرة حيناً والبطيئة حيناً. فلم أجد في 25 كانون الثاني/يناير ما أكرّم به ذكرى ثورتنا المغدورة سوى هذه المقابلة معهما عن كتابهما الأخير الصادر عام 2018: Les révoltés du Nil: Une autre histoire de l'Egypte moderne [صحوة المحكومين في مصر الحديثة؛ من رعايا إلى مواطنين 1798-2011] (دار الشروق، القاهرة، 2023). مقابلة ولِدت فكرتها فجأةً على طاولة غداء عند رصيف مقهى تواعدنا للقاء فيه بدائرة باريس السابعة

 

لماذا ظهر الكتاب أوّل مرّةٍ باللغة الفرنسية، وقبل خمس سنوات؟ لماذا لم تشرعا في الكتابة حول زلزال يناير إلا بعد الثورة بوقت طويل نسبياً؟

كانت هناك مراحل عدّة لتتطوّر أفكارنا. في البداية كنّا نحاول البحث عن أدوات للتفكير حتى نستطيع تحليل التاريخ لتفسير الأحداث. السؤال الجوهري الذي حاولنا أن نجد له إجابة: إذا كانت الجماهير هي من يتحرّك، وتقوم بكل هذه الهبات الشعبية والثورات، فماذا اكتسبت في كل مرحلة تاريخية، حتى بعد تعرّضها لهزائم سياسية؟

حاولنا منذ البداية أن نتحرّر من سجن أفكارنا الماركسية، وشرعنا منذ عقود في إدراك الظواهر التي ترتّبت على أزمة بزوغ الفرد في بلادنا. كانت هذه هي الأداة التحليلية الجديدة التي لم يتطرّق إليها التحليل المادي التاريخي من قبل، فقد ظلّت مهملةً من المدرسة الماركسية. لم يهتم أحد بدراسة بزوغ الفرد وأزمته في العالم غير الأوروبي، وبخاصة في العالم الإسلامي. فقد أخذ الفرد في أوروبا فترة طويلة، حوالي خمسة قرون، حتى يغيّر مجتمعه. في عالمنا، نشأ الفرد في ظروف ضاغطة وقاسية، تختلف عن الظروف التي بزغ فيها الفرد الأوروبي.

بكل تأكيد، تطلّب ذلك منّا زمناً طويلاً لدراسته، وبداية من كتاب السفح الجنوبي للحرية؛ مقالة حول ظهور الفرد في العالم الثالث[2] [بالفرنسية عام 1989]، وبعد رجوعنا إلى مصر لأوّل مرّة بعد عشرين عاماً من مغادرتها اكتشفنا جيلاً مختلفاً ومفاهيم كنّا غافلين عنها.

فعندما خرجنا في نهاية الستينيات، كنّا نعتقد أنّ الدين يتراجع تدريجياً من المساحات العامة حتى منذ العشرينيات ومروراً بالحقبة الناصرية ليتّخذ موقعاً فردياً شخصياً. إلا أنّ هذه الفكرة تلاشت تماماً بعد رجوعنا إلى مصر، لأنّنا وجدنا أنّ الدين قد أخذ موقعاً أساسياً في الحياة العامة، حتى ولو كان رجوعه في شكل مفاهيم ظاهرية وسطحية. بدأنا ندرك أنّ علينا إعادة دراسة هذا البعد، وتأثيره في حركة الجماهير، خاصة أنّه كان بُعداً مستبعداً في التحليل المادي التاريخي.

لذلك عُدنا إلى دراسة الدين منذ البداية، منذ مولد الإسلام. كان اهتمامنا بالسيرة النبوية، طبعاً ساعدَنا في ذلك إدخال البعد الزمني لفهم القرآن نفسه. إذا كنّا نريد فهم مسار الجماهير التاريخي ودخولها في حركة التاريخ، فيجب أن نفهم أيضاً إضافة إلى نشوء الفرد وما أحدثه من تغيّرات، البعد الديني والبعد النفسي اللذين لم نكن لنستطيع فهم مسار التاريخ من دونهما.

إلا أنّ الحدث التاريخي والجوهري الذي توّج دراستنا وجعلنا نستطيع بلورة كل تلك المفاهيم في نظرية متكاملة ومتماسكة، كان ثورة كانون الثاني/يناير 2011. في تلك اللحظة، غدت لدينا القدرة على ربط أفكارنا وأدوات بحثنا في تكوين جهاز فكري يسمح لنا بتحليل كيفية تقدّم الجماهير بكل تلك الأبعاد التي ذكرتها من قبل، حتى مع تعرّضها للأزمات السياسية.

يمكن النظر إلى ثورة يناير وما حدث بعدها من سيطرة الإخوان المسلمين، ثم سيطرة المؤسسة العسكرية، كل ذلك وغيره، يمكن اعتباره هزيمة سياسية للثورة. ولا تنسى أنّ هناك كثيرين اعتبروا أنّ الثورة لم يكن لها أي مكاسب. [ولكن] في الحقيقة إنّ ما قمنا به من خلال التحليل المتعدّد الأوجه، دينياً وتاريخياً ونفسياً، جعلَنا نرى بوضوح أنّ هناك مكاسب حقيقية وهائلة للثورة ولحركة الجماهير التاريخية طوال الوقت وبشكل عام. كانت اللحظة الجوهرية في الثورة أنّ الميدان نصّب نفسه كسلطة جديدة تتحدّى مراكز السلطة الأساسية، مقرِّراً خلق شرعية جديدة طغت على شرعية الحاكم.

احتجنا إلى سبع سنوات، لأنّنا احتجنا الرجوع إلى مراجع كثيرة جداً في تاريخ مصر لدراستها بشكل مختلف، وخاصةً أنّنا توقفنا لمدّة طويلة في الفترة ما قبل الحملة الفرنسية [1798-1801]. كان يجب فهم طبيعة علاقة الأهالي بالحاكم، الحاكم بأمر الله، عندما كان طغيانه مبرّراً ولم يكن هناك إحساس بالزمن بالمعنى الحديث. أخذ ذلك منّا زمناً طويلاً لقراءة تاريخ مصر من هذا المنظور. كيف كانت علاقة الآخرة بالحياة الدنيا في أذهان الأهالي؟ كيف تحكّمت في مسارهم الدنيوي ووجدانهم؟...

 

هل كانت لديكما فرضية مسبقة ثم بدأتما بالبحث عن شواهد وأدلة تاريخية لها؟ أو أنّكما من أجل صياغة هذه الفرضية رجعتما إلى دراسة التاريخ متحرّرَين من أي أفكار مسبقة؟

لا نعتقد ذلك. لم تتبلور لدينا فرضية أولية بل كانت هناك عودة إلى التاريخ بنظرة مختلفة، خاصة أنّنا راجعنا ما توفّر من نصوص قليلة لما قبل الحملة الفرنسية. لكن منذ البداية كان لدينا اهتمام بهذه الحملة بصفتها لحظة مفصلية. غدا من الضروري فهم المجتمع المصري قبل الحملة، فيما كانت الصعوبة في ندرة المراجع والنصوص الكافية عن تلك الفترة.

رغم أنّنا أدركنا التأثير الهائل للحملة على المجتمع المصري، لكنّنا لم نملك أفكاراً مسبقة لتحليل ذلك التغيير الذي أحدثته الحملة. ولذلك أخذنا وقتاً طويلاً لمراجعة النصوص الرئيسية لتلك الفترة، للجبرتي والرافعي واندريه ريمون وآخرين...

 

بالعودة إلى منجزكما التأسيسي، هل يمكن اعتبار كتاب «الصراع الطبقي في مصر» بدايةَ، أو بذرةَ ما ستتوصلان إليه في كتاب «صحوة المحكومين»؟

لا يمكننا أن نقول ذلك، بل ربما إنّ تلك الأفكار المبثوثة في كتاب الصراع الطبقي، وحتى الأفكار في الكتب التالية المعتمدة على أدوات التحليل الماركسي، كانت تمنعنا من رؤية ما وصلنا اليه في ما بعد في صحوة المحكومين. لقد احتاج الأمر منّا نحو عشرين عاماً للتحرّر من سجون المادية التاريخية، كما احتجنا إلى الرجوع نحو مصر حتى نشرع في تغيير أفكارنا وأدواتنا التحليلية.

في كتاب الصراع الطبقي كنّا نعتقد منذ البداية أنّ الصراع بين الطبقات هو المحرّك للمجتمع والتاريخ، لذا كان علينا إعادة التفكير في مفهوم الطبقة الاجتماعية ومفهوم الفرد. مثلاً في حالة ماركس، يعتبر مجتمع العبيد طبقة قائمة بذاتها، وهو مغاير للمفهوم الحديث للطبقة الاجتماعية. نستطيع أن نقول إنّنا تخلينا عن المفهوم الماركسي للطبقات الاجتماعية.

لم يكن ماركس على صواب – في اعتقادنا – في مفهومه عن الطبقة الاجتماعية المجرّدة، فهي لا يمكن تصوّر وجودها إلا من خلال التحليل الاقتصادي، وهو أمر يحتّم ظهور الطبقة مع ظهور الرأسمالية، وهذا ما يجعل مفهوم الطبقة الحديثة لا يصلح كمفهوم يمكن تعميمه على التاريخ الإنساني كله في ما قبل الرأسمالية.

 

لماذا تبدو الحملة الفرنسية لحظة تأسيسية في الكتاب؟ لماذا لم تتخذا من لحظة تاريخية سابقة في التاريخ المصري نقطة بداية، مثل العصرين المملوكي والفاطمي مثلًا؟ ألا يبدو بذلك كأنّ الاستعمار ينهض بدور تحويلي في تاريخنا؟

ربما كان أمراً جيداً أن نبدأ من عصر أقدم، لكنّ ذلك كان يحتاج منّا عمراً آخر فوق عمرنا. دعنا نقول إنّنا كنّا نريد أن نبدأ من الفترة التي بدأت فيها الجماهير في صناعة التاريخ وتغيير مساراته، وهي أيضاً الفترة التي بدأت فيها الحداثة. مهما حاولنا أن نجد لمصر بداية ما لدخولها في الحداثة، فلن نستطيع غض النظر عن الحملة الفرنسية. ليس هذا تمجيداً لها، فليست هي السبب الوحيد لدخول الحداثة إلى مصر كما روّج لذلك لويس عوض على سبيل المثال.

غير أنّ الذي حدث على وجه الدقة أنّ الشعب المصري انتفض بشكل مبهر على الحملة الفرنسية. طبعاً يمكنك أن ترى رجلاً عظيماً مثل الجبرتي وقد أعجِب برجال الحملة وبأساليبهم الحديثة، إلا أنّ ذلك كان راجعاً لطرحه سؤالًا رئيسياً عن كيفية تفوّق هؤلاء على دولة الإسلام. نحن نعتقد أنّ ردّ فعل المصريين على الحملة هو العامل الرئيسي في دخول مصر إلى عصر الحداثة. أي: المقاومة وليس الاستعمار، هي من تقوم بالدور التحويلي في تاريخنا.

وعندما تعمّقنا بشكل أكثر تحديداً في تاريخ بعض الشخصيات المصرية في تلك الفترة، مثل عمر مكرم وغيره، وجدنا أنّهم كانوا أكثر تأثراً بالنموذج الإنجليزي في الحكم، وليس بالنموذج الفرنسي. أي أنّه في النهاية بدأ المصريون بالتفكير في العالم الجديد من حولهم وفي القوى المهيمنة عليه من الفرنسيين والإنجليز والعثمانيين، وإدراكهم أهمية التعامل مع ذلك العالم.

الحقيقة الجديدة التي استوعبها المصريون هي أنّ العالم الإسلامي ليس وحده من يتحكّم في مسار الأمور. وبالتالي كانت استجابتهم للحملة الفرنسية هي ما حسم الصراع بين تلك القوى العالمية. وهم من جعلوا محمد علي والياً على مصر. هذه الديناميكية الجديدة للمجتمع المصري كانت نابعة منه ذاتياً، وليست نابعة من الحملة الفرنسية في حد ذاتها. وبالتأكيد يمكن الأخذ في الاعتبار بعض التفاصيل التي حدثت أثناء وجود الحملة في مصر، مثل إنشاء الديوان.

 

لكنّ الكتاب يكشف أنّه رغم تحقيق الجماهير مكاسب جديدة مع كل ثورة أو انتفاضة، فإنّ السلطة استطاعت بدورها، وفي كل مرّة، القضاء على هذه المكاسب وزيادة القمع

ربما يظهر ذلك لو قمنا بالتركيز على علاقات القوّة، لكن لا يمكن غض النظر عن المكاسب الوجدانية والمعنوية التي تكتسبها الشعوب، وهي تلك المكاسب التي لا يمكن أن تخسرها. أيضاً يجب ألا ننسى أصحاب المصالح ورؤوس الأموال، والعلاقات الإقليمية والدولية. في كل مرّة تثور فيها الجماهير أو تنتفض، يزداد لديها الوعي بالذات من أجل أن تتخلّص من تراكمات مئات السنين من الخضوع.

لدى السلطة وسائل قمعية أخرى أيديولوجية واقتصادية خارجية وداخلية، ولكنّ الجماهير تعمل على تطوير أساليبها أيضاً في كل مرّة تستطيع أن تتحكّم في تغيير أدوات السلطة. ولا تنسى دور الطبقة الوسطى المزدوج لأنّ جزءاً منها يتعامل مع السلطة الحاكمة. كما يجب اعتبار طبقة الرأسمالية الكبيرة جزءاً من الطبقة الحاكمة، خاصة عندما تستشعر الخطر من المحكومين.

حتى عبد الناصر حاول الحفاظ على وجود اتصال بين الطبقة الحاكمة والمحكومين من خلال التنظيمات السياسية التي أنشأها، وسمح ذلك باحتواء أفكار الطبقة الوسطى. [ولكن] أيضاً لأنّه ظلّ محتفظاً بشرعية دوره كحاكم مقدّس (وطني)، ولديه القدرة على دعم هذه الطبقة التي ستضمر تدريجياً وتكاد اليوم تختفي.

يمكننا أن نقول إنّ هذا تحليل عام جداً، وسوف يبرز السؤال، إذن ما العمل؟ إلا أنّ هذا التحليل العام يمكن أن يساعدنا على فهم حركة المجتمع المصري، وأيضاً المجتمع العربي ككل...

 

استخدمتما مصطلح: قداسة الحاكم. ألا تريان أنّه يمثّل إشكالية في ما بعد سنة 1952، حين تأكدت شرعية الحاكم الوطنية؟

استخدمنا مصطلح «القداسة» من أجل تأكيد استمرارية قدرة الحاكم على التصرّف بأدوات أيديولوجية علاوة على أدوات السلطة التي لديه. هذه الأدوات الأيدولوجية التي تؤثّر في المحكومين أنفسهم. في حالة جمال عبد الناصر بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، نجد أنّ هذه القداسة جعلت المحكومين المصريين يتركون له القرار الأخير، وهذا يختلف عن قداسة الأب، نعني الأب بالمعنى التقليدي. ويختلف أيضاً عن القداسة الوطنية. إنّها قداسة الزعيم.

في حالة أحمد عرابي، فهو تمثيل لشيخ القبيلة الذي يتكلم باسم كل مصري. ما يهمّنا في الحالة المصرية أنّ عرابي لم يكن ليلعب دور [الزعيم ذي القداسة]، لذا لم يحدث ذلك التغيير في المحكومين المصريين. فقد خرجت منهم طبقة جديدة يمكن اعتبارها بذوراً للطبقة المتوسطة. وهنا يضاف تمثيل فكرة الوطنية الوليدة التي بدأت تمثّل شرعية جديدة في ذهن المحكومين، لتكون منافساً لشرعية الخديوي. في الوقت نفسه يصبح القرار الأخير لهذا الزعيم وليس للمحكومين، ولذلك عندما استسلم عرابي انتهى كل شيء.

أما في حالة سعد زغلول، فقد اختلفت العلاقة بعض الشيء. هنا تجد شرعية الأب وشرعية الزعيم الوطني، لكن القرار أصبح بشكل ما في يد المحكومين. بكل تأكيد كان القرار في يد سعد زغلول، إلا أنّ الشعب يستطيع التحرّك في غيابه. ويمكنك رؤية فقدان تلك الشرعية في حالة السادات في البداية ولكنه استطاع تدارك جزء لا بأس به منها بعد العبور [عام 1973].

 

رغم أنّكما أظهرتما في الكتاب أنّ ثورة يناير أنهت تلك الشرعية، ولكن هل كان حسني مبارك يملك الشرعية أصلاً؟

احتفظ مبارك بشرعية مقبولة من المحكومين لعلاقته بحرب أكتوبر، والاستقرار النسبي والحرب على الإرهاب. لكن شرعيته كزعيم كانت في الحد الأدنى، لذلك أنهت الثورة هذه الشرعية تماماً. يظهر ذلك بوضوح أثناء الثورة، في الخطاب الثاني لمبارك ظهر التأثّر واضحاً بقدسية الأب.

 

وماذا عن قداسة شرعية السيسي اليوم؟

لا توجد أي قداسة على الإطلاق. الشرعية هنا هي شرعية المصلحة.

بعد 2013 دفع المحكومون بالجيش لإنقاذهم من الإخوان المسلمين. حتى لو أنّ الجيش استغل ذلك، لكن في النهاية تصبح هذه المسألة مسألة حسابات سياسية. ولا تنسى أنّ الإخوان المسلمين قد أخطأوا كل الأخطاء المطلوبة حتى يصبح هناك رد فعل شعبي ضدهم.

كما أنّ السيسي لم يبدأ القمع مباشرة. في البداية كان هناك تفاعل سياسي ما، مثل لجنة الدستور ورئيس مؤقت، إلخ.. ولكن بكل تأكيد لا توجد قداسة في هذه السلطة، إنّما فائض قوّة وأدوات قمعية. ومن دون هذه الأدوات سوف يتحرّك المحكومون في حالة عدم وجود مصلحة سياسية.

الشرعية لا بد أن تتأسس على حالة رضائية، لا على القوّة والخوف. وما يجري في مصر اليوم مؤسس على الخوف من الحاكم ومن فقدِه أيضاً.

 


[1] صدر هذا الكتاب في نسخته الأولى عن منشورات Maspero الفرنسية في عام 1968، وحمل عنوان:

Mahmoud Hussein. La Lutte de classes en Egypte de 1945 à 1968

[2] Versant sud de la liberté; Essai sur l'émergence de l'individu dans le tiers monde, La Découverte, Paris, 1989, 174 pages.

تميم هيكل

صحافي مصري ومنتج أفلام وثائقية.

×