10 كانون الأول 2024
19 كانون الثاني 2024
(1)
عندما اندلعت الحرب الأهلية للكاسيت في مطالع تسعينيات مصر، كان الحسّ المصري في الكلمات والألحان، أوّل الضحايا. انفتاح السادات وثمانينيات مبارك الرديئان، خلخلا الشخصية المصرية. الجمهور الذي كان يتأنّق لحضور حفلة أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ، يتزاحم في طابور السوبر ماركت لشراء الكاسيت الأصلي لنجوم الحرب الأهلية.
في ذاك الزمن، كان هناك تيار موسيقي مصري، يفتح جبهة بديلة يُمرّر منها الحسّ المصري في أغانٍ وألحان منابعها في النيل والبيوت والشوارع وهموم الإنسان المصري. لم نعرف الكثير عنهم؟. بالطبع. لم يكونوا نجوماً ولم يكونوا ضمن حسبة الأرباح والشهرة. ومع ذلك، واصل بعضهم وتوارى آخرون نهائياً عن الأنظار.
المُلحّن والمُغنّي المصري وجيه عزيز واحد ممن تمسكوا بحرية واستقلال الفنان بعيداً عن السائد. جبهة بديلة يجري فيها حسّ مصري خالص، روافده فولكلور الجنوب وحريّة سيّد درويش ومصريّة صلاح جاهين وطمأنينة فؤاد حدّاد.
(2)
قابلتُ وجيه عزيز في عام 2007 في ميدان الجيزة. كان يتأبّط عوده، وما تيسّر من هواء شارع مُراد. نزلتُ من الباص الذي كان متجهاً إلى وسط القاهرة. سلمتُ عليه، وتبادلنا التحية. افترقنا وأنا مُندهش. مُندهش لأنّ أحداً في ميدان الجيزة الكبير لم يعرف وجيه عزيز.
ذكّرته فقال: «من ساعة ما بدأت، مش فارق معايا القصة دي. أنا باتفاجىء لغاية دلوقتي إن فيه حد عارفني في الشارع. فيه أماكن الناس تعرفني كويّس جداً. لكن بكون مرتاح أكتر لما أروح أماكن، ومحدّش يعرفني.. بصدق شديد، لازم الفنان يكون حرّ. بعيد عن قيود الشهرة وإلّي عايزاه الناس. لا تُجبر الإنسان ولا تخيّره، زي ما قال صلاح جاهين».
مشى وجيه عزيز في ميدان الجيزة، وجاء باص آخر نقلني إلى وسط البلد. في تلك السنة وما تلاها وصولاً إلى 25 كانون الثاني/يناير 2011، كان وجيه بالنسبة لي صوتاً موسيقياً مختلفاً في لحظة شعبية تبحثُ فيها الناس عن مصريّتها وعن تغيير. لحّن وغنّى الهمّ الشخصي وهمّ الشارع. أغانٍ مثل زعلان شوية وشوية هموم ولو موصوف لك تسكت، أمثلة واضحة للعيان.
هل كانت ألحانك تبشِّر بثورة يناير؟.
السياق فرض نفسه. الشارع. الناس. شعور الناس. لكن أنا ما بحبّش تصنيفي في الحتّة دي. ما بحبّش تصنيف الفنان. فكرة الحرية مهمة. حرية البني آدم وحرية الفن. ده إلّي بيعمل تنوّع. عندك الشيخ إمام شوف إحنا بنتكلم عنه دايماً. أنا إتعلمت أكتر من سيّد درويش، إنْ الواحد يقول كل حاجة. فهو مثلاً غنّى ولحّن قوم يا مصري، وغنّى شفتي بتاكلني أنا في عرضِك.
ما تحبسنيش في دائرة. أنا لحّنت من أول لمسة، وإيديا في جيوبي، ومش نظرة وابتسامة، ولحّنت إن ما قدرتش تضحك لأحمد زكي. لو اتصنفت هازعل جداً. أنا كده مش فنان. أنا بقيت موظف في الحتّة دي. أنا مش كده. الفن حرية.
هل انعكست ثورة يناير موسيقياً في مصر؟.
إلّي إتقدّم في يناير إيه؟. يا بلادي. أنا بحبك يا بلادي؟. مُستدعاة لحنياً من بليغ حمدي. أغنية الميدان لأمير عيد كانت جديدة. لكن إنت شفت الناس في ميدان التحرير كانوا بيردّدوا إيه؟. أغاني شادية يا حبيبتي يا مصر، وعبد الحليم حافظ صورة. استدعاء عفوي. موسيقا عن يناير دلوقتي؟. أعتقد لسّه شوية. وكمان دلوقتي صعب.
التكوين والتجريب كان في صعيد مصر؟.
وجداني اترَسَم في شارع خيرت. شارع حدّوتة بمدينة الفشن في بني سويف. كان فيه صدفة مهمة. العائلة كلها غاوية فن. كنت محظوظ كمان. شفت مصر في شارع خيرت. مزيج بين الشعبي والطبقة المتوسطة. كان فيه كل الأصوات الشعبية. كان قدّام بيتنا على طول الحاج محمد. لمّا كان حد يموت في بيته، كان يمنع النحيب والصِويت. كان بيجيب كورال وكانوا ينشدوا كأنّهم في حضرة صوفية مش جنازة.
المزيج ده مع حضور الكنيسة بالنسبة لي، كوّن ثقافتي الموسيقية. بعض مزيكتي بتروح للصوفي والذكر والزار وأحياناً تلاقي الموّال والعدّودة. مش بس كده. في المكان سمعت الناس وانفعالاتهم وهمومهم وجنونهم ومعاركهم. الشارع كان وَنَس 24 ساعة. أنا ساكن في مدن جديدة مثلاً. عارف! ملهاش حسّ. ولو سمعت صوت هتسمع صوت تكييف. كلب ضال بيفتش عن حاجة ياكلها. ده لو لقى الكلب حاجة في السكوت الغريب ده. شوارعنا كان فيها صوت وزعل وحب ولعب وعتاب وغُنا للحياة.
وكيف أثّرت النشأة في ألحانك؟.
أنا من الصعيد. لو لاحظت، حتى اللازمة الموسيقية في لحن مش نظرة وابتسامة للمطربة سيمون هتعرف إنّها لازمة جاية من هناك. هتلاقي لو تروح، وهيلا هيلا. حتى الـnerve بتاع أغاني معيّنة هو nerve جنوبي. أغنية ممكن إلّي غنّاها منير. اللحن طالع ونازل. كأنّه حد هادي وفي لحظة يبقى عالي. الروح دي صعيدية. وبرضو لو كان لزاماً علينا الرحيل.
معظم ألحاني لمنير فيها ده. يمكن اللهجة بس. لكن لو غيّرت كلمات أغاني أنا لحّنتها وردّدتها باللهجة الصعيدية ح تَكتشِف إنّها صعيدية جداً. يعني لو قلت باللهجة الجنوبية إشمعنى بتحب تحّن عليَّا وساعات بتجّن. ترسمني عاشق بيئن. أنا عارفك يا صغير السن، فهتلاقيك قاعد في الصعيد.
(3)
طار وجيه عزيز من الفرح. طارت الألحان في القاهرة والصعيد. كانت الفرحة الفنية الأولى في القاهرة إن شئت الدقّة. الملحّن الصعيدي الشاب يقرأ اسمه في الجرائد مقترناً باسم شاعر مصري جداً ومعروف جداً اسمه فؤاد حدّاد (1937 – 1985) في مسرحية كروان الفن (1988).
كانت هناك حكاية وراء هذه البداية؟. كنتَ حاسماً في إنحيازاتك في فترة مُبكرة؟.
صدفة بحتة. كنت في البدايات خالص. لم تكن لدي فرصة الاختيار بين هذا وذاك. من أنا؟. لا أحد يعرفني. كانت صدف غريبة يعني. كنت عازف للعود في فرقة موسيقية مع المطرب الراحل عماد عبد الحليم، وأخبرني عازف زميل إن هناك مسرحية اسمها العسل عسل والبصل بصل من إخراج سمير العصفوري، وعايزين حد يلعب عود. لعبت عود في مسرح الطليعة. كانت المسرحية من ألحان على سعد وأشعار بيرم التونسي. كان حظي حلو تقريباً.
بيرم التونسي عرّفني يعني إيه طعم الشعر الحقيقي. ده كان في 1987. بعد كده كنّا في مطار تونس بعد عرض خارجي للمسرحية. كنت بدندن. سمعوا ألحاني. حسيت بتفاعل. المخرج سمير العصفوري رشّحني للمخرج ماهر سليم وكان بيحضّر للمسرحية الغنائية كروان الفن، فعملت ألحان المسرحية، وكانت هتتعرض لمدة أسبوع في ذكرى فؤاد حدّاد لكنّها كمِّلِت لست شهور وسافرنا بيها داخل مصر بورسعيد وإسكندرية وإدفو في أسوان.
كانت فعلاً فرحتي الأولى. كنت بغنّي كمان في العرض وعامل 15 لحن، وكان الشاعر إبراهيم عبد الفتاح مؤلف لعدد من الأغاني في المسرحية. كنت مبسوط طبعاً. كل الجرايد بتكتب عنّي أو عن ألحاني. عمري ما أنسى الحكاية دي.
هل كنت واعياً وقتها لفؤاد حدّاد بصفته شاعراً مُناضلاً وملتزماً يكتب عن الجماهير، وللجماهير؟.
لا. أنا أكره فكرة تصنيف الفنان أو إنّه محسوب على تيّار معيّن أو حزب معيّن. ده مضرّ للفنان أياً كان فنه. مسرحية كروان الفن كانت بالنسبة لي عرض مسرحي زي أي عرض. أنا كنت فرحان بأغاني المسرحية، وبعضها كمِّلِت معايا وعاشت. زي فنان فقير، وهيلا هيلا، وكاوبوي دينامو، وكان عندي طاقية.
يعني ماكنش ف ذهني. كنت بتعرّف على الكواليس. بتعرّف على يعني إيه مسرح وإضاءة. كمان المسرحية دي وسّعت دايرة أصدقائي. تعرّفت على أصدقاء عمر. المخرج عادل أديب مثلاً صديقي من ساعتها. هو وآخرين كانوا بييجو يحضروا العرض. طلعت بأصحاب آخرين زي مهندس ديكور المسرحية حمدي عبد الرحمن، وطبعاً إبراهيم عبد الفتاح. والأهم من ده كله إنْ فؤاد حدّاد كمِّل معايا المشوار.
«بفرح لو الجمهور غنّى اللحن، حتى مش لازم مطرب، المهم الحكاية توصل»
في عالم القاهرة الجديد، هزّت أشعار صلاح جاهين (1930 – 1986) وجيه عزيز؟.
مش عارف ليه بقيت أميل أكتر لصلاح جاهين. أكتر من فؤاد حدّاد. صلاح جاهين حدّوتة كبيرة. مفرداته أبسط وعميقة جداً على عكس فؤاد حدّاد. فيه مفردات مثلاً في أشعار حدّاد كنت لازم أرجع فيها لحد كان عايش أو قريب منه علشان أفهم المعنى الدقيق جداً إلّي قصده. لكن صلاح جاهين؟. مكنش عندي مشكلة خالص في فهمه.
جاهين أسهل وأبسط في الوصول. تلاقيه في كل حتّة. رسام كاريكاتير. بيمثّل في السينما. ممثّل أو سيناريست. تلاقيه في أغنية. صلاح جاهين في كل مكان.
اقتربتَ أكثر منه في مسرحية: نظرة؟، فيحكي مُبتهجاً:
عَمَلت ألحان مسرحية نظرة في عام 2005. كانت مبنية على الرّباعيات ولحّنت فيها حوالى 30 رباعية. صلاح جاهين سقفه عالي جداً. فنان حرّ جداً. لمّا تبص على صلاح جاهين كويّس، تحس إنك حزين. إزاي حد بيكتب بمنتهى الحرية والجرأة دي في زمن فات، وإحنا دلوقتي معندناش ده. صعب تلاقي حد دلوقتي يكتب بنفس روح وحرية صلاح جاهين. ده شخص اتكلّم في كل حاجة. ماسابش أسئلة ما سألهاش. يعني بيسأل في الرّباعيات: الأصل هو الموت ولّا الحياة؟.
(4)
سيّد درويش (1893 – 1933)، وجهٌ مُدهشٌ دلّ وجيه عزيز في أوّل الطريق. حرّر الموسيقا المصرية من الاستعمار اللحني التركي. قدّم الموشحات والطقاطيق والأدوار. غنّى ولحّن للحشيش، والكوكايين، والبوّابين، والجارسونات والسفرجية، والعمال، ومصر. أثرى المسرح الغنائي في شارع عماد الدين في الربع الأول من القرن العشرين، وواكبت ألحانه وأغانيه ثورة 1919 على الإنجليز.
كان الحديث عن درويش مهماً لأنّ تجربة وجيه عزيز اللحنية نزعت إلى حرية تنقل الملحّن بين الأغصان. لم يسجن نفسه في نوع موسيقي مضمون أو رائج. يهتم مثل سيّد درويش بموضوع اللحن وبأسئلته وبمصريته. لحّنَ وكأني عصفور متدلّع، وسلّم يا عاشق، وهيه.. الفرح شاطر، مثلما لحّن كاوبوي دينامو، وهيلا هيلا، وقول معايا.
كيف تأثرت بسيّد درويش؟.
سيّد درويش يعني الروح المصرية. تعلمت منه الجرأة والحرية والانحياز للناس. حرية وكمان حق الفن عليك. فيه ناس كسبوا كتير من الفن، وفيه ناس كانوا مكسب كتير للفن. سيّد درويش عنده ألحان بسيطة وعنده ألحان مليانة مقامات وتحويلات. يمكن أنا كنت شبهه في الحدّوتة دي. لو تسمع هيلا هيلا بسيطة لحنياً، ولو سمعت لحن عيرة مليان مقامات ونقلات موسيقية. لو تروح برضو فيها نقلات كتيرة.
سيّد درويش كأنّه بيقول لي: إنت ممكن تعمل لحن من مقام واحد أو سلّم واحد ما تخرجش عنّه طوال اللحن. زيّ ما عمل هو في زوروني كل سنة مرة وبلادي بلادي وأنا المصري. لدرجة إنّهم قالوا عليه زمان إنّه ملحن على قدُّه، فراح عامل أنا هويت وانتهيت. قال لهم: أنا سيّد درويش!.
(5)
كان مشهد الأغنية في مصر يتحوّل في التسعينيات. الآلات الغربية تزحف بقوّة في مواجهة الآلات الشرقية. حرب الكاسيت على أشدّها والمنافسة ضارية بين نجوم الألبومات. أين كنتَ من هذا كله؟.
في الأساس أنا معنديش مشكلة شخصية مع أي آلة من الغرب أو الشرق أو الهند أو مصر، طالما بتعبّر بيها عن إحساسك الحقيقي كملحّن ومغنّي مصري. ده الفيصل. إنّما التسعينيات حقيقي كانت فيها منافسة شرسة جداً. كان شريط الكاسيت هو وسيلة سماع الأغنية. مكانش فيه وسيلة تانية.
ده حتى لحن أغنية هيه الفرح شاطر إلّي عملته لمحمد منير في ألبوم الطول واللون والحريّة، ما رِضيوش يذيعوها في التليفزيون كفيديو كليب سنة 1993، إلا لما يعتمدوني كملحّن في الإذاعة. كان الشاعر مجدي نجيب مؤلف الأغنية مُعتمَد لكن أنا لأ. فاضطريت إنّي أقدّم في الإذاعة كملحّن أولاً، وفعلاً اعتمدوني ونجحت وذاعوا الأغنية بعدها. تخيّل. كانت فترة مختلفة عن دلوقتي.
أوّل ألبوم سنة 1990: لو بإيدي، كانت له حكاية؟.
كان الشاعر إبراهيم عبد الفتاح كاتب الأغنية وكم أغنية أخرى، وكان فيه شعراء تانيين. رحنا للمنتج ماجد عمّار وطلّع الألبوم. كان ياسر عبد الرحمن ساعتها عامل لحن لأغنية لمحمد فؤاد اسمها على عيني فكلّمته، وهو إلّي وزّع أغنية لو بإيدي وأغنية الشمس كانت حامية. مش عارف الألبوم ده كانت له ظروف خاصة. جايز ما اتعملوش تسويق كويس؟. مش عارف.
هل كان عدم النجاح الكافي للألبوم بمقاييس السوق وقتها سبباً في حدوث فجوة بين المطرب وجيه عزيز وبين المُلحّن وجيه عزيز؟. هل أخذتَ صفّ الملحّن أكثر خاصة بعد ظهور صوت محمد منير وشراكتك الفنية المُمتدة معه؟. هل هذه أسئلة لها معنى؟.
مش عارف. بس لو الألبوم الأوّل كان نِجِح نجاح كبير، كان ممكن يحطّني في حتّة تانية. لكن ده ما حصلش. بس خُد بالك، أنا التلحين عندي متعته أعلى من الغُنا. التلحين أساس. وبرضو كنت بغنّي من ألبوم لو بإيدي كتير في الحفلات وفي البرامج التلفزيونية. وبعدين أنا بعد سنتين من الألبوم عملت ألحان لمحمد منير، وأنا كنت بحبّه أساساً قبل ما أخش حكاية المزيكا. كنت بدندِن أغانيه القديمة زي بنتولد، ويا عروسة النيل يا حتّة م السما. ده قبل ما ألحّن خالص.
(6)
ظهر منير في مفترق طرق بالنسبة لوجيه عزيز المُغنّي؟. هل كان حسّه بمثابة تعويض لك؟.
أنا عرفت منير في بيت مجدي نجيب. في أواخر 1992 تقريباً. كنت أنا عامل ألحان أغنيتين صغير السن وعصفور، وفجأة خبط منير ع الباب. سمع اللحنين وقال لي: أنا هاغني اللحنين، إلّي كان مجدي نجيب كاتب الكلمات بتاعتهم.
مجدي كان مدبّر السهرة دي ومتفق مع منير (يضحك وجيه عزيز). قال لي: إنت مُلحّن يا وجيه ومش مشكلة أغنيتين. خلّي منير يغنيهم، وإنت غنيهم. كنت حيران جداً. كنت متفق قبلها مع عماد الدين أديب يطلع لي ألبوم فيه الأغنيتين دول وأغاني تانية، لكن ما عملناهوش.
شافني عماد في برنامج تلفزيوني مع منير وأنا بعزف ع العود صغير السن وعصفور ومنير بيغني، فقال لي: خلاص، مش هينفع نعمل الألبوم. كانت خبرتي أقل شوية؟. يمكن. لكن الأكيد إنّي كنت فرحان إنّي لحّنت لمنير. أنا عموماً بابقى فرحان لو الجمهور غنّى اللحن. يعني مش لازم حتى مطرب. المهم إن الحكاية توصل.
لم ينقطع التعاون المشترك بين وجيه عزيز وبين محمد منير، بل تعمّق حتى أنّ هذه الثنائية هي الأكثر صموداً بين ثنائيات متعاقبة كان وجيه عزيز طرفاً فيها. أليس كذلك؟.
حسّ منير هو حسّ وجيه عزيز. صعايدة برضو. أنا من زمان كان في ذهني أقابل الجنوبي الجريء ده إلّي بَغنّي له يا عروسة النيل. كنت عارف إن فيه حاجة مشتركة بيننا. هي إيه؟. مكنتش عارف ساعتها. طلع حدسي مظبوط، وعملتله حوالي 15 لحن لغاية دلوقتي.
فيه تعاون مستمر بيننا. أنا عندي مشوار في التلحين، ومافصلش فيه بين لحن والتاني. كل إلّي حسيته عملته: من أوّل كورال الصعيد والمسرح الغنائي وألبوماتي، وألحاني إلّي غنّاها منير أو مطربين تانيين. كل ده حاجة واحدة بالنسبة لي. أنا جزء في مشروع منير، وحتى هو بيقول إن أكتر واحد لحن له بعد أحمد منيب هو وجيه عزيز.
إحنا فينا شبه من بعض.. يعني الشاعر علي سلامة كتب أغنية فيها: الحزن قام حفّر عفّر، يا قلبك الشاطر. مستحيل أسمع الكلام ده لأي مطرب في مصر غير منير. أنا لحّنت الكلام الجريء جداً ده، وغنّاه منير الجريء جداً.
(7)
الجرأة لم تتوقف عند حدّ منير. عرف وجيه عزيز شاعراً غنائياً جريئاً من أصول جنوبية هو الشاعر علي سلامة. كيف ومتى تقابلتما؟.
أعتقد سنة 1997. كلّمني ساعتها في التلفون وقال لي: أنا علي سلامة وجبت رقم تلفونك لأنّي سألت عن الملحن إلّي لحّن أغنية ممكن لمنير وعرفت إنّه إنت، وعشان كده أنا حابب نعمل حاجات مع بعض. ومن ساعتها قعدنا وحصل توافق فني، وعملنا على طول أغنية قلبك الشاطر لمنير.
المشترك بيني وبين علي سلامة كتير. ساعات بيكون فيه حد بيشوف معاك الدنيا. الحياة. المجتمع. الحلو. المر. وكمان إحنا عملنا حفلات مع بعض. هو يقول شعر وأنا أغني. وتعاونا مع بعض في ألبومين زعلان شوية وناقص حتّة، وبندردش دايماً في إلّي جاي.
تعاونت مع علي سلامة ومجدي نجيب. شاعران غنائيان مختلفان؟.
مختلفان تماماً. مجدي نجيب تقدر تقول رسّام. فنان تشكيلي. هو مش شبه أي حد. دي ميزة عبقرية. ده إلّي بيعجبني فيه. يعني لمّا محمد الموجي يلحّن لمجدي نجيب غاب القمر يا ابن عمي فتطلع من أحلى الألحان للموجي... مجدي نجيب بيروح للروقان. شوف الكلام: أسكن بيوت الفرح، واشمعنى بتحب تحن، ومن أوّل لمسة، وتنده أقول حاضر.
ماكانش بيحمّل الأغنية قضايا كبيرة. ده أسلوبه. ما بَقولش حلو أو وحش. إنّما علي سلامة الأغنية قضية. حتى الأغاني العاطفية شوية تلاقي الوجع موجود. علي سلامة أهله من الصعيد. وطبعاً الروح مرتبطة بالبيئة. وعنده اختصارات في شعره بحبّها جداً.
(8)
على هامش الدردشة، حكى وجيه عزيز أنّ شابة اقتربت منه بعد نهاية حفلة وشكرته لأنّه يقدّم أغانٍ «طيّبة». أغانٍ طيّبة؟. ضحكَ وضحكتُ لأنني كنتُ في صفّ هذه السمّيعة. لم يُعلّق لكنّه قال إنّ «الفنّان يجب أن لا يتخلى عن الحرية وعن متعة الفن. الخلق الفني. أن لا يفقد الفنّان إنسانيته أو أن يضحّي بحقه في التعبير عن الذات وحسّ الناس وحسّ الحياة».
يغيبُ الونسُ هذه الأيام؟.
أنا مش عارف. الواحد كبر ولا بقى واحد تاني؟. وأنا صغير كان عندي حلم إنّي أقعد في بيت بيلمع. بيت قاهري تشطيب لوكس. طلع البيت فِخ. فيلا ضخمة. كومباوند. كل ده فخ. زمان بيوتنا كان فيها خير وأصوات طيور فوق السطوح.
مش عارف!. كان انبساطي زمان في القاهرة إنّي أعرض مسرح من ألحاني. بعد مسرح الطليعة مثلاً، نطلع أنا والأصدقاء، ندندن بالعود ف الحسين لغاية الصبح. كنت فرحان بالحكاية. الآن تحس مالهاش طعم زمان، وبراءة زمان. الضغوط بقت عالية.
كان الوقت الحلو متوفر إلى حد ما. الشباب أيامنا كان قضيته يحب ويروح سينما أو مسرح، أو يستنى حفلة، أو يشتري كتاب. دلوقتي؟. دلوقتي الونس قلّ. أحياناً لمّا بحس بغيابه ، ممكن أروح للألحان إلّي عملتها لمنير. زي عصفور مدلّع، الفرح شاطر، صغير السن. دي ممكن تديني طاقة ونس. وطبعاً رباعيات صلاح جاهين
صحافي مصري وقاص وكاتب اسكريبت للفِلم الوثائقي والفِلم القصير. صدرت له في القصّة مجموعتان عن دار روافد للنشر: جبلُ الحَلَب (2013)؛ دَبيبُ النّجْع (2019)؛ وفي الفِلم الوثائقي: يوسف إدريس؛ نجيب الريحاني؛ أسامة أنور عكاشة؛ سليم حسن... حفّار مصر القديمة؛ وفي الفِلم القصير: البلابيصة؛ اختناق القمر.