25 نيسان 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

مهرجان كانّ، رحلة السينما العربية على اللازُورد

فاروق الفرشيشي

23 أيار 2023

يدرك المتأمل في تجربة المخرجة كوثر بن هنية أن اختيارها في المسابقة الرسمية كان مسألة وقت ليس إلا (لقطة من فِلم «بنات ألفة»)

اتخذ اختيار الفِلم التونسي «بنات ألفة» للمنافسة في المسابقة الرسمية الــ76 لمهرجان كانّ العريق شكلَ التتويج. لا لقيمته، وهو قيّم، ولكن لنُدرتِه في سجلات السينما العربية. إذا كانت هذه حال المشاركة، فكيف بالظفر بإحدى جوائز المسابقة!

حاول المخرج المصري الكبير يوسف شاهين (1926–2008) مراراً أن يفوز بالسّعفة الذهبية[1] Palme d'or لكنها استعصت عليه وتركته في شيء من الحزن والحيرة والغضب. فهل حظيت التجارب العربية الأخرى بلحظة التتويج الكبير؟ أو أنها عرفت في السينما المصير نفسه؟ هل تجافي هذه السّعفة الكاميرا العربية؟ أو أنها تتطلب أدوات لا يُجيدها السينمائيون العرب؟... وهل على المهرجان أن يفهم الصورة العربية؟ أو على العرب التعبير بلغة لا يُساء فهمُها؟

تدفعنا هذه الأسئلة المتداخلة إلى رحلة موغلة في تاريخ المشاركات العربية في أهم مهرجان سينمائي في العالم، تُعرَض عبر أربع حقب: الحقبة المصرية، الحقبة المغاربية، الحقبة الشآميّة، حقبة الربيع العربي، فيما تفرد مساحة خاصة بتجربة يوسف شاهين الطويلة مع المهرجان لما لها من خصوصية.

 

الحقبة المصرية (1946–1965)

لم تكن المشاركات العربية في المسابقة الرسمية حدثاً نادراً في بدايات المهرجان، ويعود الفضل في ذلك إلى السينما المصرية التي كانت تعيش عصرها الذهبي. فشارك فِلم «دنيا» لمحمد كريم (1896–1972) في الدورة الفعلية الأولى سنة 1946، بعدما ألغيت دورة 1939 بسبب الحرب. واستمرت المشاركات المصرية كثيفة ومتنوعة حتى بلغ عددها 11 في 1965 مع فِلم «الحرام» لهنري بركات (1914–1997).

لم يرافق الأفلامَ المصرية إلى فرنسا في تلك المرحلة سوى فِلم مغربي الإنتاج وفرنسي الإنجاز («طبيب العافية» في 1956)، وثنائية لبنانية في 1957 و1962 لجورج نصر (1927–2019). هذا أمر طبيعي، إذ كانت الدول المغاربية منكبّة على قضية الاستقلال، فيما كانت بلاد الشام والعراق تعاني من تقلبات سياسية عنيفة بسبب التقسيم والانتداب ومن ثم النكبة.

استطاعت مصر وحدها أن تطوّر صناعة سينمائية انطلاقاً من رؤوس أموال وطنية مثقفة مثل طلعت حرب، مؤسِّس «ستوديو مصر» في 1935 استئناساً بالتجربة الهوليوودية، ومن موروث مسرحي مهم راج منذ العشرينيات وتسرّب إلى السينما عبر فنانين كبار، على غرار يوسف بيك وهبي ونجيب الريحاني. فكانت أفلام العصر الذهبي ثمرة زواجٍ بين هذين الرافدين.

لئن غلب الرافد المسرحي على البدايات مثل تراجيديا «دنيا»، ودراما «ليلة غرام» (دورة 1952)، فإن فِلمَيْ كمال الشيخ (1919–2004): «حياة أو موت» (دورة 1955)، و«الليلة الأخيرة» (دورة 1964)، كُتِــبا بلغة الإثارة الهتشكوكية التي لا نجدها إلا على الشاشة الفضية.

قد لا تعكس هذه المشاركات الــ11 على مدى عشرين سنة كثافة الإنتاج السينمائي المصري في عصره الذهبي، ولا جودته أيضاً. فلا ننسى أن العدوان الثلاثي عام 1956 عجّل في قطع العلاقات بين مصر وفرنسا، لتمتنع الأولى عن تقديم ترشحاتها بين 1957 و1963. كما أن الكثير من الترشيحات المصرية اصطدم بشروط جودة لم يتعوّد التعامل معها في سوقه العربية. فتشير «مجلة الموسيقى العربية» مثلاً إلى رفض أفلام «اقتبَست» موسيقا تصويرية من أعمال عالمية أخرى دون اعتبار لحقوق التأليف.

لكن يبقى عدد المشاركات خلال الحقبة المصرية مهماً ولم يقدر أي بلد عربي آخر أن يقترب منه في الأعوام اللاحقة، بما في ذلك مصر نفسها. ورغم التنوّع في التجارب المقترحة، لم ينجح أيٌّ من الأفلام الــ11 في إقناع لجان التحكيم المتعاقبة بأيّ شيء. لم تنجح قاهرةُ كمال الشيخ كتكوينٍ حضريّ ضخم يناسب سينما «فِلم نوار»Film Noir [2] في إثارة انتباه رئيسَيْ لجنة التحكيم: الكاتب مارسيل پانيول (دورة 1955)، أو المخرج الكبير فغيتس لانڤ (دورة 1964).

ربما لأن الحكمين لم يعثرا في فِلميْه على تصوُّرهما الغربي عن مصر، فظنّا أنهما أمام استنساخ شكلي لسينما «فِلم نوار» السائدة في الأربعينيات مثل Rebecca [ريبيكا] لهتشكوك (1940)، وThe Naked City [المدينة العارية] لجول داسّان (1948)، خاصة أن الشيخ أخذ عنها الكثير. وربما لأن سقف التطلعات كان عالياً جداً إذ اطّلعا في الدورتين على أعمال سينمائية تحوّلت إلى كلاسيكيات أيقونية مثل East of Eden [شرق عدن] لإيليا كزان، وRififi [ريفيفي] لجول داسّان وMarty [مارتي] لدلبرت مان (دورة 1955)، أو The Umbrellas of Cherbourg [مظلّات شربورغ] لجاك ديمي، وWoman in the Dunes [امرأة في الكثبان] للياباني هيروشي تيشيجاهارا (دورة 1964).

لم يختلف حظّا يوسف شاهين وصلاح أبو سيف (1915–1996) كثيراً عن كمال الشيخ رغم اهتمامهما أكثر بفرائد البيئة المصرية وجعلهما الريف منطلقاً حتى عند تصوير المدينة («ابن النيل»، و«شباب امرأة»)، وكذلك تعبيرهما عن مشاغل اجتماعية وسياسية أكثر وضوحاً وارتباطاً بمرحلة الخمسينيات (المُثُل الاشتراكية في «صراع في الوادي» في 1954، وتركيز سلطة الدولة في «الوحش»).

لقد كان صلاح أبو سيف الوجه الأبرز لتلك المرحلة بمشاركته في ثلاث دورات للمهرجان في ثلاثة عقود مختلفة. طبعاً لا يمكن مقارنة مشاركته الأولى «مغامرات عنتر وعبلة» (دورة 1949) برائعة كارول ريد The Third Man [الرجل الثالث] التي تُعدُّ النموذج المثالي لــ«الفِلم نوار». أما فِلم «شباب امرأة» (1956)، فَلَم ينجح فضاؤه الدرامي الشبيه بفضاء A Streetcar Named Desire [عربة قطار اسمُها الرغبة] (1951) في أن يُلطِّف حدّة الخطاب الوعظي الذي شجّع على أفكار مستهجنة عند الذائقة الغربية حتى لو كانت رمزيةً (فضيلة الزواج بابنة العم).

الحقيقة أن سوء الفهم بين السينما المصرية، وبين مهرجان كانّ، سار في اتجاهين. فقد ظلّت الأولى مُصرَّةً على إنتاج هوليودي نمطي يُقولِب اللغة السينمائية ويهتم بأفلام الصنفِ (إثارة، حركة، ميلودراما)، وبما يطلبه المشاهدون لزيادة حجم المشاهدات وأرباح شباك التذاكر. ولم يدرك أصحاب القرار أنهم يَعرضون إنتاجاتهم في فضاء ضاق ذرعاً بهذه السينما وبدأ يروّج لمفهوم فِلم المؤلِّف[3] Film d'auteur.

لكني أستثني من هؤلاء شخصاً واحداً ظهرت في أعماله الأولى بوادر تمرّد على السيميائية السائدة (وإن ظلت أهم خصائصها حاضرة)، وراح يشكِّل لغته الخاصة التي سمحت له بمواصلة الرحلة المصرية في كانّ حتى بعد نهاية العصر الذهبي. هذا الشخص هو يوسف شاهين.

لم يُخفِ شاهين رغبته الشديدة في الظفر بالسّعفة الذهبية طمعاً في انتزاع اعتراف نقديّ عالمي بقيمة أعمالِه

 

الحدّوتة مع «الآخر» (1952–1985)

تُعدُّ رحلة يوسف شاهين في مهرجان كانّ استثنائية، إذ امتدّت طوال أكثر من خمسين سنة: من المسابقة الرسمية بــ«ابن النيل» سنة 1952، وصولاً إلى مسابقة نظرة ما Un certain regard بــ«إسكندرية نيويورك» سنة 2004. وهو المخرج العربي الأكثر مشاركة أيضاً بثماني مساهمات أربع منها في المسابقة الرسمية وثلاثٌ أُخَر في المسابقات الموازيةِ. ويضاف إليها «المصير» (1997) خارج المسابقةِ عندما كُرِّم الرجل لمجمل أعماله بجائزة اليوبيل الذهبي الخاصة (سعفة مناسبة الذكرى الخمسين على تأسيس المهرجان).

في الجزء الثاني من السيرة الذاتية «حدّوتة مصرية» (1982)، لم يُخفِ يوسف شاهين رغبته الشديدة في الظفر بالسّعفة الذهبية. ليس طمعاً في الجائزة ولكن طمعاً في انتزاع اعتراف نقدي عالمي بقيمة أعماله. وحين فشل في ذلك مع «ابن النيل» (دورة 1952)، برّر الأمر بعوامل خارجية مثل نمط الإنتاج الهش القائم على الشركات الخاصة، واحتقار سينما المؤلّف، والاهتمام بشبّاك التذاكر، وغياب دعم الدولة (قبل المرحلة الناصرية أساساً)، والنظرة الأوروبية الاستعلائية إلى سينما فولكلورية بدوية من الشرق. وهي تبريرات وجيهة نسبياً لكنها لا تفسِّر فوز فِلمٍ مستقل مثل OTHELLO [عطيل] للأميركي أورسن ويلس Orson Welles في الدورة نفسها بالسّعفة الذهبية.

أشار شاهين في «حدّوتة مصرية» إلى قلة اهتمام النقّاد بمراجعة أعماله الأولى، ولعل ذلك ما يفسِّر تواصل ضعف جودة التنفيذ فيها رغم أفكارها العبقرية وبراعة الإعداد المسرحي mise–en–scène لمَشاهدها. لتوضيح الفكرة، يمكن العودة إلى مشاهد إطلاق النار والقتال في «صراع في الوادي» و«العصفور» (1974) و«الوداع يا بونابرت» (1985). سوف نصطدم بلقطات مُحبِطة تُخرِج المتفرّج من عالم الفِلم لتُعيده إلى مقعده: كعمر الشريف مثلاً حين يصاب برصاصة في مستوى القلب منذ منتصف الفِلم لكنه يواصل الركض والقتال وإطلاق الرصاص حتى نهاية الصراع في الوادي.

تكفي مقارنة بسيطة هنا مع مشهد النِّبال المرعب في رائعة المخرج الياباني أكيرا كوروسَوا Throne of Blood [عرشٌ من دماء] (1957) لنتبيّن الفرق. أما على مستوى الكتابة، فرغم تميّز أفلام شاهين بكثافة في الحوار، فإنها أحياناً أكثر إبهاماً من الأفلام الصامتة. فلغته عامرة بالمرجعيات الثقافية المصرية، ما يجعل من متابعتها أمراً معقداً لا على المشاهدِ الغربي فحسب، بل على غير العربي عموماً. وهو عيب لا يطال المخرجين الكبار من خارج الثقافة الغربية، مثل الياباني ياسوجِرو أوزو في فِلم Late Spring [نهاية الربيع] (1949)، ونظيره ماسَكي كُوبَيَشي في فِلم Hara–kiri [هاراكيري] (1963).

عاد شاهين في دورة 1970 ليشارك بفِلم «الأرض» الذي اعتبره النقّاد أجود أعماله، لكنه فوجئ بفوز الفِلم الأميركي الساخر M.A.S.H. لقد عدّ النقّاد المصريون «الأرض» أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، ما جعل كثيرين منهم يرون في عدم فوزِه بالسّعفة الذهبية نوعاً من الظلم ومحاباة من لجنة تحكيم يرأسها الأميركي كيرك دغلاس لفلمِ M.A.S.H. لكن فاتهم أن هذا الفِلم انتزعَ بدوره مكانه ضمن أفضل مئة فِلم في تاريخ الولايات المتحدة.

يأخذنا فِلم شاهين ضمنياً إلى زمن ما قبل ثورة الضباط الأحرار، ليصوّر كفاح الفلاحين للحفاظ على الأرض، معلناً عبرهم موقفه ممّا بعد النكسة بـعبارة: «ها نحارب». ولكن، هل كان يوسف شاهين يتوقع من كيرك دغلاس أن يفهم ذلك كله وحده؟ وهل كان يمكن لفِلمٍ يحتفي بالصراع أن يكسب تعاطُف الذائقة الغربية على حساب فِلم يُدين الصراع ويروّج لعبثيته، كما عبّر عن ذلك الفِلم الفائز؟

لم ييأس المخرج المصري من المهرجان، بل عاد إليه بعد سنتين في أسبوعَيْ المخرجين  La Quinzaine des réalisateursبفلمِ «العصفور». وحين لقي التجاهل نفسه، انقطع عن كانّ حتى 1985. فقد رجع في ذلك العام إلى المسابقة الرسمية بفلمٍ يحمل في رمزيتِه الكثير من المعابثةِ: «الوداع يا بونابرت». هو آخر مشاركاته في المسابقة الرسمية، وهو أيضاً رسالة خاصة إلى فرنسا عبّر فيها عن علاقته المتشعّبة بها: إعجاب بحضارتِها وعداء لتعاليها، واستعداد للتعلم منها وأمل في أن تعامله بندّية.

بسيناريو يتسرّب من بين أصابع المَشاهد الجميلة دون سيطرة، ينتقم يوسف شاهين من رمز فرنسا وقائد الحملة على مصر نابوليون بونابرت بتجاهله، والاحتفاء بدلاً منه برئيس البعثة العلمية للحملة، الجنرال ماكسيميليان كافاريلّي، ما أثار حفيظة الفرنسيين والمصريين على السواء.

لم يشارك شاهين بعد ذلك في المسابقة الرسمية لكنه عاد في التسعينيات بفِلمين عن التطرّف والتسامح («المصير»، «الآخر» في 1999)، وكذلك في الألفية الثانية بالجزء الأخير من سيرتِه الذاتية «إسكندرية نيويورك». فسّر الأمر بأنه أخذ حظه من المشاركة في المسابقة الرسمية ويفضل إتاحة المجال لغيره. والظن عندي أنه لو أتيح له المجال لشارك، ولكن تدنت جودة أعماله الأخيرة وما كان لها أن توضع في منافسة مع أعمال ذات قيمة فنية عالية مثل تحفةِ المخرج الإيراني عباس كيارستمي «طعم الكرز» (سعفة كان 1997). والدليل أن شاهين قَبِل بالمشاركة في المسابقات الموازية مثل «نظرة ما»، وهو أمر غريب أن يستهلّ مخرجٌ رحلته في كانّ بالمسابقة الرسمية ثم يختمها بالمشاركة في «نظرة ما».

مع ذلك، رحلة يوسف شاهين في هذا المهرجان أبعد ما تكون عن المخيّبة. ولا شك أنها أضافت الكثير إلى أعماله وزادت من تمسّكه بــ«سينما المؤلّف» وابتعاده عن لغة السينما المصرية السائدة. لكن إصراره الكبير على أن المشكلة سوءُ فهمٍ حضاري جعله يفقد حظوظه حينما كان فنُّه في أوجه. فلقد أثبت مهرجان كانّ أنه لا يكنُّ عداءً خاصاً للعرب، ولا يعاني من سوء فهم للقضية الوطنية العربية، وهو ما تأكّد مع العربي الوحيد الحائز السّعفة الذهبية: محمد الأخضر حمينة.

 

الحقبة المغاربية وحمينة (1967–1986)

بدأت المشاركات المغاربية في المهرجان بإنتاج مغربي لأفلام فرنسية الإخراج، وصارت نسخُها اليوم نادرة («طبيب العافية» لهنري جاك، و«أبناء الشمس» في 1962 لجاك سيفيغاك). ورغم إشارة سجلات المهرجان إلى فِلم طويل من إخراج عبد العزيز الرمضاني («أرواح وإيقاعات» في 1962)، فإن أهم النصوص التي تسجِّل تاريخ السينما المغربية لا تعرف هذا العنوان، وتؤكد أن فِلمَه (تناصفاً مع العربي بناني) «عندما تثمر النّخيل» الصادر سنة 1968، هو واحد من أول الأفلام الروائية المغربية قلباً وقالباً.

يضيف النّاقد السوري محمد عبيدو وغيره أن هذا الفِلم ذو جودة محدودة ولا يمثل سوى بدايات للسينما المغربية، ما يعني أن من الصعب القول بوجود فِلم شارك قبله بست سنوات في المسابقة الرسمية كما يذكر المهرجان.

أما في تونس، فرغم البدايات المبكرة للسينما التونسية بفضل رائدها ألبير شمامة الشيكلي الذي أنجز أول فِلم روائي عربي معروف («زهرة» في 1922)، كان عليها أن تنتظر إلى ما بعد الاستقلال لتعرف نشاطاً حقيقياً. خلافاً للسينما المصرية، لم تقم السينما التونسية على شركات الإنتاج وصناعة الترفيه، بل على فكرة السّينيفيليا. فانتشرت نوادي السينما مبكراً وأنتجت السينمائيين الأوائل والأفلام الأولى بعد الاستقلال، وصولاً إلى العمل التونسي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية، وكان ذلك سنة 1970 بـ«قصة بسيطة كهذه» لعبد اللطيف بن عمّار (1943–2023).

المُحزن أن هذا السينمائي/المناضل توفي في شباط/فبراير الماضي دون أن تتسنى له مشاهدة عمله مرة أخرى، إذ اختفت نسخ الفِلم ولم يبقَ منها إلا واحدة في أحد المختبرات الإسبانية، وهو ما يتطلب تضحيات لوجستية ومالية وازنة لاستعادتها كما ذكر بعض العاملين في قطاع السينما والمقرّبين من المخرج في أحاديث خاصة.

حاول الجيل الثاني من السينمائيين التونسيين تكرار الإنجاز، فلم يسعهم إلا بعض المشاركات المتفرقة في المسابقات الموازية، مثل «ريح السّد» للنّوري بوزيد (جائزة نظرة ما، 1986)، و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلي (تنويه لجنة التحكيم لجائزة الكاميرا الذهبية سنة 1994).

في المقابل، تبقى رحلة السينما الجزائرية في كانّ التجربة العربية الأكثر اكتمالاً. فرغم تأخّر البدايات، كان هناك وعي قوي لدى قيادة «جبهة التحرير» بسلطة الصورة وبقدرتها اللامحدودة على فرض خطاب مهيمن. فأوكلت في البداية إنجاز أفلام إلى مخرجين أجانب، وعجّلت منذ الخمسينيات بتكوين السينمائيين الجزائريين ومساعدتهم على التعبير عن رحلة الكفاح الوطني، فكان محمد الأخضر حمينة بمكانة عمرو بن كلثوم وطنه في التاريخ المعاصر.

أنجز حمينة أربعة أفلام روائية بين 1967 و1986، وشاركت جميعها في المسابقة الرسمية، بل كانت إلى حدود 2010 العناوين الوحيدة المشاركة باسم الجزائر. خلّفت مشاركته الأولى بفِلم «رياح الأوراس» (1966) حالةً غامرة من الدّهشة إزاء العالم الحيّ المتخفي وراء الجبال ووراء الصورة المضلّلة التي يسوّقها الاستعمار. لا تحتاج صورة الأخضر حمينة إلى كثير من الحوار لتُفهَم. تعرض أحوال القرية وفِلاحتها المتواضعة، وتُدخلك البيوت وتُطلعك على تفاصيل الحياة اليومية بصدقٍ ينافسُ الوثائقيّات.

تتغيّر اتجاهات الصورة لتعبّر عن اختلال موازين القوى. من أسفل إلى أعلى لنشعر بتوجس القرويّين من طائرات العدوّ المقاتلة وهي تحوم فوقهم كوحوش لا ينبغي استفزازها، ومن أعلى إلى أسفل لنشعر بلا مبالاة الطائرات وهي تقصف ديار القرويين الضئيلة كأعشاش نمل. يموتُ أحدهم في القصف ويُقبض على ابنه لمساعدته الثوّار، فيكتشف المتفرّج هنا أنّ الأم هي بطلة الفِلم.

فطوال ساعة ونصف نتنقّل معها بين الريف والمدينة، ومن مكان إلى آخر بحثاً عن ابنها السجين كأننا أمام أسطورة إيزيس. ورغم النهاية المأسوية، نعلم يقيناً أن صورة المنتصر قد خرجت مكسورةً. مع ذلك، منح المهرجان الفرنسي الفِلم جائزة الـكاميرا الذهبية Caméra D'or التي تُمنح لأفضل عمل أول، وهي أول جائزة يمنحها المهرجان لفِلم عربي.

يحاول الفِلم تقديم سردية تسمح لجيل ما بعد الاستقلال أن يحدِّد اختياراته ويصنع تجربته

وما هي إلا مشاركة ثانية حتى تمكّن حمينة من الظفر بالسّعفة الذهبية. فقد قدّم سنة 1975 ملحمته الرائعة «وقائع سنين الجمر» التي لخّص فيها مسار الثورة الجزائرية بين 1939 و1954 من منظور قروي جزائري بسيط. نعيش مع أحمد على مدى ساعات ثلاث أطوار تشكّل وعيه الثوري منذ مواجهته القحط في قريته وإدراكه شروط وجوده، انتهاءً بتأجّج إرادة الحياة الكامنة فيه التي آلت به إلى الموت. لكنّ خطاب حمينة لا يتوقف عند هذه النقطة، فهو لا يقدّم درساً في التاريخ، ولا شهادةً لأرشفة الذاكرة، إنما يحاول أن يقدّم إلى ابن الشهيد (أي جيل ما بعد الاستقلال) سرديَّةً تسمح له بأن يحدِّد اختياراته ويصنع تجربته.

بعدما سجّل مأساة الاحتلال وملحمة الثورة، انكبّ حمينة في فِلمه الثالث على معضلة التفكيك والبناء بمواجهة واقعه الاجتماعي. فجاء في 1982 «رياح رملية» عنيفاً بقدر عنف الثقافة التي تضطهد النساء وتئد معهن كل أمل في تجاوز عبثية نمط الحياة القديم الذي لا ينفكّ يُنتج نفسَه دون هوادة. كلُّ يوم في هذه الواحات الصغيرة المدفونة في كثبان الصحراء الكبرى هو يومٌ لإفراغ البئر والديار من الرمال. حتى إذا جنّ الليل، امّحى فعل النهار وعاد الرمل إلى مصدره في حركة سرمديّة.

لم يحالف الحظ فِلم حمينة الثالث، إذ تزامن مع رائعة التركيِّ يلماز ڤوني  Yol [الطريق]. لكنه يبقى من أجود الأفلام العربية دون شكّ، ويبقى مشهد الولادة فيه تجربة بصريّة مروّعة يصعب على المرء نسيانها. سيعود المخرج الجزائري بعد أربع سنوات إلى المهرجان بـ«الصورة الأخيرة»، وهو من صنف السيرة الذاتية لكنه لم يحقّق النجاح المرجوّ، فاعتزل التأليف السينمائي إلى حدود 2014 عندما حاول العودة بفِلمه الروائي الأخير «غروب الظلال»، ولكن لم تجب لجان التحكيم طلبه.

ردّ حمينة ذلك إلى اللعبة السياسية، ناسياً ربما، أو متناسياً، أن السياسة غابت حين توَّجَهُ المهرجان بُعَيد الاستقلال، ومن ثم في السبعينيات رغم تهديدات الفرنسيين المتعصبين. لكن لعلّ أهم ما قدّمه الأخضر حمينة إلى علاقة العرب بالمهرجان ليس التتويج بالسّعفة الذهبية، بل التأكيد على قدرة السينمائي العربي على الفوز بها كأيّ سينمائي آخر من العالم. فهل استوعبَ جيلُ الألفينيّةِ الدّرسَ؟

 

من لبنان جورج نصر إلى فلسطين إيليا سليمان

يُعدُّ المخرج اللبناني جورج نصر رائد السينما اللبنانية وأوّل من عرّف العالم بها بمشاركته البارزة في مهرجان كانّ سنتَي 1957 و1962. لقد كان للسينما اللبنانية آنذاك محاولات محدودة متفرّقة ليحوّلها فِلمُ نصر «إلى أين؟» إلى وعدٍ جادٍّ بصناعة سينمائية متطوّرة. حدث ذلك بالفعل في الستينيات حين استطاعت استوديوات السينما التي أنشئت استئناساً بنمط الإنتاج المصري أن تنجز 25 فِلماً في السنة قبل أن توقف الحرب الأهلية في 1975 كلّ شيء.

لكن من المهم التنبيه إلى أن سينما الستينيات لا تشبه في شيء سينما جورج نصر، بل كانت أقرب إلى الكلاسيكيات المصرية. جعل نصر من حياة الضيعة الجبلية فضاءً لأفكاره وأخذ يناقش منذ الخمسينيات هواجس الهجرة باستباقية مدهشة، وعوّضَ تواضع الأداء التمثيلي وافتقاره إلى الإمكانات المادية المناسبة لبعض مشاهد الحركة بمشاهد الرقص الفولكلوري وصور الطبيعة اللبنانية الملهمة. فجاءَ «إلى أين؟» على غاية من الشّاعرية.

وكما جاء هو قبيل ازدهار السينما اللبنانية، جاءت المخرجة هايني سرور مع بداية ركودها. لكنها ستحقق في 1974 إنجازاً غير مسبوق كأوّل عربية تشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كانّ. وكان ذلك بفِلمٍ وثائقي عن ثورة ظفار بعنوان «ساعة التحرير دقت».

أما خلال الحرب الأهلية التي ستستمر إلى بداية التسعينيات، فسطع نجم مارون بغدادي (1950–1993) الذي أخرَجَ «بيروت، يا بيروت» (1976) و«حروب صغيرة» (1982). غير أن عمله الأبرز كان «خارج الحياة» الذي أُنتِج بشراكة بين فرنسا وبلجيكا وتمكّن سنة 1991 من المشاركة في المسابقة الرسمية والفوز بجائزة لجنة التحكيم Prix du jury تشجيعاً على طرافةِ الفكرة.

أما سوريا، فلم يسجّل المهرجان لها سوى ثلاث مشاركات في المسابقات الموازية، إذ لم تحظَ بسينمائي مثل جورج نصر. فكانت البداية سنة 1973 مع مسابقة أسبوعيْ المخرجِين بفلمِ «المخدوعون» لتوفيق صالح عن رواية الكاتب الكبير غسان كنفاني «رجال في الشمس». وبعد عشر سنين، شارك محمد ملص بفِلمه الأيقونيِّ «أحلام المدينة» في مسابقة أسبوع النقّاد Grand prix de la Semaine de la critique. وفي 1988، شارك أسامة محمّد في أسبوعيْ المخرجِين بفِلم «نجوم النهار»، فكان آخر حضور سوريّ في المهرجان.

في الأثناء، كان رائد السينما الفلسطينية، ابن النّاصرة ميشيل خليفي، يعرض أعماله في المسابقات الفرعية («الذاكرة الخصبة» سنة 1980 و«عرس الجليل» سنة 1987) مؤسِّساً لحضور فلسطيني لافت في المهرجان. فتوالت المشاركات الفلسطينية لكن دون أن يبلغَ أيٌّ منها المسابقة الرسمية، إلى أن جاء إيليا سليمان في مطلع الألفية الثانية بلغة سينمائية أخّاذةٍ غير مألوفة، وعرض فِلمه الثاني «يدٌ إلهيّة» (2002).

 

إطارٌ قصصيٌّ رمزيٌّ يجتمع خلاله فلسطيني من النّاصرة بحبيبته من الضفّة عند نقطة التفتيش العسكري. ومنه، الإطار، تنبعث فسيفساء المواقف السّاخرة المشبعة بالحماسة والبلاغة. لا عجب أن يلزمَ البطلُ (هو إيليا سليمان نفسه) الصمت طوال الفِلم، فالإعداد المسرحيُّ للمشهد على طريقته أفصح من كلِّ بيان. فازَ «يدٌ إلهيّة» بجائزة لجنة التحكيم والانتفاضة الثانية في ذروتها، فكان قرار تتويجه شجاعاً، لا سيما وقد أشيع رفض أكاديمية الفنون في أميركا إدراجه ضمن قائمة الترشيحات لـ«الأوسكار» بسبب عدم اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطين.

في مشاركته الثانية بــ«الـزمن الباقي»، كان عود لغته قد اشتدّ فكتب فِلماً هو الأكثر تماسكاً وذكاءً. استعاد به قصة الهزيمة وطفولة الوجع بالسّخرية المريرة نفسها. لكنّ سنة 2009، لسوء حظّه، كانت استثنائية، إذ تنافس فيها لارس فون ترييه، وڤاسپار نوي، وكوينتن تارنتينو، وكين لوتش، وألمودوفار، وأنڨ لي، ومايكل هانِكه، بل إنّ قسم نظرة ما لم تكن أقلَّ مستوى من المسابقة الرسمية. فاكتفى بالمشاركة المتميّزة وانتظار عشر سنين ليسجّل مشاركته الثالثة في المسابقة الرسمية بفِلم It Must Be Heaven [إن شئت كما في السماء] الفرنسيّ الإنتاج. وفيه، تضيق شخصيته الحنظلية بفضاء النّاصرة الخانق سياسياً واجتماعياً، فتغادر خارج فلسطين بحثاً عن الحُرّيّة، فإذا بالخارج نفسه فضاء خانق، وإذا بالعالم كله قد أضحى فلسطين!

بين حق أبطال إيليا سليمان في أوطانهم، وحق أبطال جورج نصر في مغادرة أوطانهم، تشترك السينما العربية في تأكيد الحاجة الملحّة إلى التعبير الحرّ، وهو ما وفّرته حركات «الربيع العربي» حالما انطلقت، فبرز جيل ينتمي إلى عصر عالمي جديد ويدفع نحو خطاب سينمائي مختلف.

 

جيل الربيع العربي (2011–2023)

سنة 2011، امتدت حركات الاحتجاج في ربوع الوطن العربي كافة تقريباً رغم تفاوت حدّتها بين بلد وآخر. وأيّاً كان مآلُها، فمجرّد حدوثها يجزم أن هناك وعياً تشكَّل تستحيل إعادته إلى «رشده». فقد حظي جيل الألفية الثانية بثورة اتصالية مع الإنترنت فكّت عنه عزلة الأنظمة الشمولية قبل الانتفاضات بسنوات، وفتحت أمامه احتمالات أفكار لا حدود لها. وما إن فتحت سنة الحرية أبوابها، حتى وجد هذا الجيل نفسه لا إزاء أفكار جديدة ليعلنها فحسب، بل إزاء رغبة ملحّة في التعبير عنها بطرق جديدة.

حاول مهرجان كانّ احتواء السينما العربية الجديدة منذ بدايتها في 2011، فاستقبلَ وثاقيَّ مراد بالشيخ «لا خوف بعد اليوم»، وفِلم «18 يوم» لشريف عرفة ومروان حامد ويسري نصرا الله خارج المسابقات رغم الوقت القياسي الذي أعدّت خلالَهُ.

بعد سنة واحدة، استقبلت المسابقة الرسمية أول فِلم عربي بعد الثورة هو فِلم يسري نصر الله «بعد الموقعة»، الذي تقع فيه ناشطة ثورية (منّة شلبي) في حب أحد المعتدين في «موقعة الجمل». لاقى العمل استهجاناً عنيفاً من بعض القوى الثورية في مصر، رغم موقفه الذي لا يعادي الثورة بقدر ما يدعو إلى حسن التأمل في تفاصيلها وفهم طبيعة الصراع داخلها. ويُعدُّ «بعد الموقعة» لحظة مهمة في السينما المصرية، فقد أعاد تاريخها إلى التدفق وأعاد تواصلها مع سينما العالم، بعدما كان شاهين وسيلتها الوحيدة إلى ذلك. فلا ننسى أن آخر فلم مصريّ مشارك في المسابقة الرسمية ولا يحمل توقيع المخرج الإسكندراني هو «الحرام» لهنري بركات (1965).

شاركت مصر في ما بعد بعملين آخرين، «سعاد» (2020) لآيتن أمين، لكن لسوء حظه تزامنت دورته مع سنة تفشي وباء كورونا وإقرار الحجر الصحي العام، و«يوم الدين» (2018) لأبي بكر شوقي الذي قُبِل للمشاركة في «نظرة ما»، لكن لجنة المسابقات ارتأت ترشيحه للمسابقة الرسمية: مستعمرة جذام ورجل مصري معدم يقرر السفر على ظهر حمار بحثاً عن عائلته المسيحية في قنا. لقد حوّل «يوم الدين» شكل الفِلم المصري من عمل استوديوات إلى ضرب من السينما الثالثة[4].
تخلت مصر عن الهيمنة العربية في كانّ واتخذ الحضور العربي شكلاً أكثر توازناً. فشارك لبنان بفضل «كفرناحوم» (2018) لنادين لبكي، الذي حقق نجاحاً جماهيرياً استثنائياً وحصد جائزة لجنة التحكيم. كما سجل المغرب أول حضور له في المسابقة الرسمية بفضل «علّي صوتك» (2021) لنبيل عيوش. وفي دورة هذا العام، 2023، جاء دور كوثر بن هنية لتمثّل تونس للمرة الثانية في المسابقة الرسمية، في سنة وفاة صاحب المشاركة الأولى عبد اللطيف بن عمار، ومئوية السينما التونسية.

يدرك المتأمل في تجربة بن هنية أن اختيارها في المسابقة الرسمية كان مسألة وقت ليس إلا. فما انفكت أعمالها تكسب نضجاً وتزداد جودة منذ حصولها في 2016 على «التانيت الذهبي» في أيام قرطاج السينمائية عن فِلم «زينب تكره الثلج». وعدا فِلمها الأخير، «الرجل الذي باع ظهره» (2021)، كرّست جلّ أعمالها للتعبير عن هموم المرأة التونسية والعربية، دون أن تكرر ألوانها وأشكالها.

يسير «بنات ألفة» في الاتجاه نفسه، فهو يحدّثنا عن امرأة تونسية (تقوم بالدور هند صبري) تختفي اثنتان من بناتها الأربع لنعيش معها رحلة البحث التي تقودها إلى «داعش». من الطبيعي أن ينتابنا شعور «شوهد من قبل»  Déjà vuإزاء مثل هذه القصة. فقد تكرّر نموذج الأم/الأب اللذين يحاولان إنقاذ طفلهما من الجماعات الإرهابية في سينما الربيع العربي، ولا سيما التونسية («زهرة حلب»، «ولدي»، «عرائس الخوف»).

لكن تؤكد الأصداء الآتية من كانّ حالة عامة من الإعجاب بشكل الفِلم الذي يكسر الحواجز التقليدية بين الوثائقي Documentary والروائي Fiction، ليذهب بصنف الخيال الوثائقي Docu–fiction إلى مستويات تداخل غير مسبوقة. ليس هذا غريباً عن كوثر بن هنية خاصة إذا ما تأملنا قليلاً في أعمالها السابقة (مثلاً «على كف عفريت» 2016). فلغتها السينمائية متفردة وثرية، وأسلوبها واضح شأن أيّ مؤلف حقيقي Auteur. لكن، ألا يذكرنا هذا قليلاً بمحمد الأخضر حمينة؟

 


[1] تنقسم جوائز المهرجان بين مسابقات عدّة لكل منها مجموعة من الأفلام. السّعفة الذهبية Palme d'or هي أهم الجوائز وأرفعها قيمة وتمنح لأفضل فِلم في ما يسمى اصطلاحاً المسابقة الرسمية التي تضم 21 فِلماً هذا العام. تليها الجائزة الكبرى للجنة التحكيم Grand prix du jury وتمنح للعمل الأكثر طرافة (Original) بين مجموعة من الأفلام، ثم في مرتبة ثالثة جائزة لجنة التحكيم Prix du jury، وجوائز المسابقات الأخرى مثل جائزة نظرة ما Prix un certain regard، والجائزة الكبرى لأسبوع النقّاد Grand prix de la Semaine de la critique، وجائزة أسبوعَي المخرجين La Quinzaine des réalisateurs، والكاميرا الذهبية Caméra D'or التي تمنح لأفضل عمل أول ينتمي إلى أي مسابقة. إلى جانب الجوائز الفردية.

[2] صنف فرعي من سينما الجريمة. راج في هوليود في الأربعينيات ويتميز بلغته الأسلوبية وأجوائه القاتمة التشاؤمية. ومن خصائصه الفضاء الحضريُّ الذي يبدو في اتساعه كامتداد لمخاوف الإنسان المعاصر وهواجسه.

[3] فلم المؤلِّف Film d'auteur مصطلح ظهر مع المجلّة النقدية الفرنسية الشهيرة Les cahiers du cinéma [كرّاس السينما] ليميّز الأفلام التي أشرف مُخرجوها تماماً على تفاصيل صُنعها من تصوير وتركيب وسيناريو وإدارة ممثلين... ووضعوا عليها بصماتِهم الخاصّة بعكس أفلام «الجودة الفرنسية» الكلاسيكية كما أطلقوا عليها، أو الأفلام الهوليودية التي تُنجزُ بأساليب آليّة شديد التنميط.

[4] السينما الثالثة third cinema هو مصطلح ظهر في أميركا اللاتينية لتمييز سينما مناضلة تفضح الواقع الاجتماعي السيئ للطبقات المفقرة، عن السينما الهوليودية المقننة وذات الغرض التجاري (السينما الأولى)، وأيضاً عن السينما الفنية الأوروبية الطلائعية avant-gardiste ذات الطابع النخبوي الذي لا يتوجه إلى العامة (السينما الثانية).

فاروق الفرشيشي

كاتب تونسي مهتم بالسينما وصاحب مدوّنة الدفتر الأزرق.

×