29 آذار 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

ظواهر غير طبيعية... لماذا لا أحب منى واصف

رامي طويل

9 أيار 2023

في مجتمعاتنا؛ لا تتمايز طريقة صناعة الظواهر وتنشئتها ورعايتها عن الآليات التي تُحكم وتدار فيها هذه البلاد (Luis Feito)

نقاش سريع جرى مع صديق حول أغنية لمغنّ تمّ تكريسه على مدى سنوات كثيرة وتحويله إلى ظاهرة، وبات له من الأتباع والمريدين (من يطلق عليهم صفة جمهور) ما يفوق الكثير من الزعماء وأصحاب السموّ والفخامة، حتى أنّه فاقهم بعديد جيشه وحرسه المتأهب لحمايته وخدمته حدّ الاستماتة في الدفاع عنه ضد كل من يجرؤ أن يعلن، في لحظة تخلّ، أنّه ينفر من خامة صوته، أو يكره طريقته في الأداء، أو لا يحب أغنياته ولا طريقته في أداء أغنيات أعاد غناءها لمن سبقوه. النقاش السريع انتهى بوصفي من قبل الصديق بـ«المتعنّت» و«المتعصّب» الذي لا يقبل ما لا يوافق ذائقته. فكان لا بدّ من الطرفة التالية:

«الأوّل: كأنك عم تحاول تقنعني برأيك؟

الثاني: لاء شو بدي إقنعك برأيك لكن!».

 

ظواهر غير طبيعية

في مجتمعاتنا؛ لا تتمايز طريقة صناعة الظواهر وتنشئتها ورعايتها عن الآليات التي تُحكم وتدار فيها هذه البلاد منذ عقود طويلة. هذه الظواهر ليست فنية فقط، بل هي ظواهر أدبية، سياسية، اجتماعية، أو حتى منتجات صناعية؛ قد تتحول العلكة، على سبيل المثال، إلى ظاهرة.

الحديث هنا بالطبع لا يشمل المواهب الاستثنائية، القليلة عموماً والتي باتت اليوم نادرة الوجود، التي يجهد أصحابها لعقود في عمل رصينٍ مضنٍ يتيح لهم أن يصيروا جزءً من الذاكرة والوجدان الجمعي. إننا نتحدث عن ظواهر تنشأ مرتكزة على موهبة متواضعة، أو دون موهبة في أحيان كثيرة، وتُسخّر المؤسسات الإعلامية والثقافية، بأوامر من السلطات السياسية، لتكريسها وحشرها في الذاكرة الجمعية رغماً عن أنف المجتمع. من هنا لا يعود مستغرباً جعير مغنين محددين، بكلّ ما فيه من نشاز، أن يقتحم أذنيك في كلّ مكان تتواجد فيه حتى يصير، من حيث لا تعي، راسخاً في رأسك. وكذلك هو الحال مع وجوه كتّاب وصحافيين وسياسيين وممثلين باتت قادرةً اليوم، في عصر السوشل ميديا، أن تقتحمك حتى في خلوتك. هو أمر شبيه بالشعارات الجوفاء التي اعتادت السلطات السياسية في هذه البلاد أن تنشرها في كلّ مكان تطاله عين الناظر إلى أن صار بإمكانها أن تتردد في رأسك حتى أثناء النوم.

صناعة الظواهر هي في نهاية المطاف جزء من لعبة السلطات السياسية في إحكام الخناق على شعوبها. فعلى مرّ الزمن أثبت التاريخ أنّ الفن الجيد، والأدب الحقيقي، والفكر الحر، يهزّون العروش ويثيرون الذعر في نفوس الحكّام، لذا كان لا بدّ من محاربة كلّ ذلك عبر إقصائه وإغراق المشهد بالتافه والمبتذل.

 

المفهوم بين الشكل والمضمون

في التعريف الكلاسيكي للشعر العربي يرد أنّه «كلامٌ موزونٌ ومقفّى». هو تعريف يقتصر على الشكل، وهو ما أودى للظنّ أنّ كلّ كلام موزون ومقفّى هو شعر، فلم يتوان كلّ من رغب بصفة شاعر، على مرّ الأزمنة، بأن يرصف الكلمات موزونةً ومقفّاة ويحوز بذلك اللقب السحري حتى وإن جاء نظمه أجوف لا ينطوي على المعنى. لم تنجُ قصيدة التفعيلة من ذلك أيضاً إذ بقيت عالقةً في فخ القوافي والإيقاعات الغنائية مفسحةً المجال برحابة أكبر لكلّ من شاء أن يسمّي نفسه شاعراً، إلى أن وصلت الثورة عل تلك الأشكال مع قصيدة النثر التي أعلنت تحطيم التعريفات المقتصرة على الشكل، وردّ الشعر إلى كونه مفهوماً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعنى. غير أنّ ذلك لم يصمد طويلاً أمام الطامحين، عديمي الموهبة، الذين اقتنصوا الفرصة التي أتاحتها قصيدة النثر بإعفائهم من عبء تعلّم الأوزان والبحث عن القوافي، فاتخذوا من تلك الحرية مطيّةً لأهوائهم وجاؤوا بسيل من هراء، ما عاد يتوقف، عديم الشكل والمضمون مطلقين عليه مسمّى الشعر، وعلى أنفسهم شعراء، إلى أن بات السيل جارفاً وسبباً رئيساً بنفور القرّاء، بشكل عام، من قراءة حتى الشعر الحقيقي.

ما أصاب الشعر لم يكن حكراً عليه فقط، بل انسحب الأمر ليطال مختلف أشكال الكتابة والإبداع؛ من الرواية والرسم إلى الغناء والسينما والدراما التلفزيونية، وحتى الصحافة والإعلام والسياسة. فتوافر المواد والأدوات وحده لن يصنع فناً ولا أدباً، تماماً كما هو الحال بالنسبة لأربعة جدران تستخدم كلّ أدوات ومواد البناء لإنشائها غير أنها ليس بالضرورة أن تكون بيتاً، بل ربّما تصير سجناً أو إسطبلاً أو حتى مكبّاً للقمامة.

 

الصورة... الطاغية

منذ القدم أدركت السلطات أثر الصورة في العقل اللاوعي، وقدرتها على حرف مسارات التفكير، وتحويل البشر إلى أنماط تسهل السيطرة عليها وتوجيهها وفق إرادة تلك السلطات، وربّما في ذلك تفسير لما ذخرت به دور العبادة، منذ بداية إنشائها، من رسوم وأيقونات وزخارف ورموز. هو الأسلوب ذاته الذي انتهجته السلطات السياسية والعسكرية والمجتمعية، ويمكن تلمّس أثره الجليّ عند السلطات الاقتصادية، الحاكم الفعلي للعالم اليوم، عبر الإعلانات التجارية.

وإن كانت السلطات قد احتاجت مع بدء عصر الصورة إلى محتوى ومعنى تتكئ إليهما الصورة تعويضاً عن بهتانها وافتقارها للألوان بسبب بدائية الأدوات المستخدمة آنذاك في تشكيلها، فإننا اليوم، مع الثورة التقنية الهائلة، بتنا أمام صناعة الصورة المبهرة الخالية من أيّ معنى. وبذلك تحوّلت الصورة الملونة على الشاشات العربية إلى صورة تَسوق العقل الجمعي اللاوعي نحو خيار الأبيض أو الأسود وفقاً لمشيئة المموّل، الحليف الرئيس للسلطات السياسية، والحاكم الفعلي وصاحب القرار بما ستؤول إليه الأحوال. وقد يفسّر ذلك، على سبيل المثال، اندفاع السلطات في بلد مثل سوريا إلى تبني الدراما التلفزيونية وتكريسها كوسيلة تعبير يمكن من خلالها إحكام الخناق على المجتمع، محوّلة الدراما التلفزيونية عن مسارها كعمل فني لتبلغ حداً تصير معه مجرد وسيلة إعلامية مأجورة تدار من قبل سلطات سياسية ومالية هدفها الرئيس مسخ الرأي العام وتكريس الحالة القطيعية. ولا شك في أنّ أثر هذه الوسيلة أخذ في التزايد مع الفورة المالية وتحويل هذا النوع من «الفن» إلى وسيلة ناجحة لغسيل وتبييض الأموال جنباً إلى جنب مع هدفه الرئيس السابق. وفي هذا ما يفسّر أيضاً انتعاش هذا النوع من الصناعة مؤخراً في بلد مثل لبنان تزامناً مع انهياره السياسي والاقتصادي. وإن كانت سوريا التي عرفت ازدهاراً في العمل الصحافي في خمسينيات القرن الماضي، حيث بلغ عدد المطبوعات فيها 52 مطبوعة، قد تخلّت عن كل ذلك لصالح تكريس التلفزيون، والأعمال الدرامية، كوسيلة إعلام وحيدة إمعاناً في تجهيل المجتمع، فإن الخشية أنّ الأمر يعود ليتكرر اليوم في الساحة اللبنانية التي شهدت بالتزامن مع انتعاش هذه الصناعة إغلاق العديد من الصحف العريقة، وانسحاب ما تبقى منها متخلية عن دورها التاريخي لصالح تحولها إلى نشرات حزبية أو منابر ترويجية لما يبتغيه رأس المال. وبذلك يفقد لبنان الدور الريادي الذي لعبه لعقود كواحة للحرية الصحافية ومنتجاً وناشراً للثقافة العربية. ويتلاشى دور المثقف فيه، كما تلاشى في سوريا قبله، لصالح رعاية الظواهر وتعظيم شأنها وتركها تحتل الشاشات فلا يعود مستغرباً أن يتحوّل أيّ شخص مهما تواضع خطابه إلى متحدّث مفوّه في مختلف الشؤون، من السياسة والأدب إلى الدين والتاريخ. ولا يعود مستغرباً أن يتحوّل شخص متواضع الموهبة، ومتواضع الملكات الذهنية إلى نجم تشرّع له الشاشات ليحكي في كلّ الشؤون، محللاً، ومقرراً، وراسماً للخطوط التي على المجتمع السير فيها. وفي الآن ذاته لا يعود مستغرباً التحالف الوثيق، حدّ الشراكة، بين هذه الوجوه والسلطات السياسية والأمنية والمالية.

 

أكثر من صرخة

في العام 1975 أنتج التلفزيون السوري سبع حلقات درامية حملت اسم «أسعد الورّاق» مأخوذاً عن قصّة للأديب صدقي إسماعيل تحمل عنوان «الله والفقر»، وكان المشهد الذي حُفر في الذاكرة الجمعية السورية؛ صرخة منيرة لحظة تستعيد النطق مع تلقيها نبأ مقتل زوجها أسعد. بتقنيات بسيطة وبدائية، وصورةٍ باهتة خالية من الألوان، استطاع آنذاك المخرج علاء الدين كوكش أن يصنع مشهداً درامياً مؤثراً أداره برهافةٍ وذكاء فنيين عاليين، مستعيضاً عن القدرات المحدودة لتقنيات ذلك الزمن بحسن إدارته للمثلين، حركة الكاميرا، الإضاءة، الانتقاء المدروس للأغنية المرافقة للمشهد، والتي جاءت من مقام الهزام ذي الشخصية المركبة والذي يمكنه أن يشي بالفرح بالمقدار ذاته الذي يغرق فيه بالحزن المجرد بعيداً عن بكائية مقامات أخرى كالحجاز والصبا. تلك العناصر كلها كانت كفيلة بصناعة مشهد درامي عالي السويّة، فشلت النسخة المستحدثة من المسلسل التي أنتجت في 2010 بمحاكاته رغم الألوان والتطور التقني الهائل. غير أنّ جودة المشهد لم تكن هي السبب في تحويله إلى جزء من الذاكرة الجمعية السورية، وكان بإمكان هذا المشهد أن يذهب طيّ النسيان كبقية مشاهد تلك الحلقات السبع، المصنوعة بالمهارة ذاتها، لولا أنّ التلفزيون دأب على إعادته وتكراره على مدى عشرات السنين حتى بات يصعب على سوريّ أن يسمع يوماً أغنية «بيلبقلك شك الألماس» دون أن يعود إليه ذلك المشهد. إنها الآلية التي انتهجتها السياسة الإعلامية للتأثير في العقل الجمعي اللاواعي وإعادة صياغة الرأي العام وفق رغباتها، والتي جعلت عبارة مثل: «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة» التي ترد على لسان الفنان صلاح قصّاص في ختام سهرة تلفزيونية بعنوان «عواء الذئب» أنتجت في العام 1974، تتردد في رؤوس أجيال من السوريين كما غيرها من العبارات والأغاني والأناشيد والمشاهد، وكذلك الصور والشعارات التي كانت تطالع الجميع أينما يمّموا وجوههم، والتي عملت على تنميط التفكير الجمعي وسوقه باتجاه محدّد.

*****

بعد مسيرة مهنية امتدت لعقود امتلكت الفنانة منى واصف رصيداً هائلاً من الأعمال، لا يختلف كثيراً عمّا امتلكه أبناء وبنات جيلها ممّن واكبوا العمل التلفزيوني منذ بدايته وحتى اليوم. غير أنّ الأسماء التي تمّ تكريسها وانشغلت السلطات الإعلامية بتسليط الضوء عليها طوال الوقت كانت معدودة. وبمراجعة بسيطة لأرشيف التلفزيون، وبخاصة السهرات والبرامج الاحتفالية التي كانت تصنع دورياً بغية تكريس خطاب السلطات السياسية، يمكن الوقوف على الأسباب التي منحت بعض الأسماء، ومن بينهم واصف، ذلك الامتياز، وتحويلهم إلى رموز يصعب على الجمهور الفكاك من تأثيرها. ويمكن في الآن ذاته فهم الأسباب خلف تواري العديد من الأسماء والمواهب وانكفائها، أو إزاحتها عن المشهد بغية تحويله إلى رؤية أحادية تخدم سياسة اللون الواحد التي سادت ردحاً طويلاً من الزمن.

في السنوات الأخيرة لوحظ إرفاق اسم الفنّانة منى واصف، دون معرفة المصدر، بلقب «سنديانة سوريا»

في مواجهة ما قيل إنه تنميط للمرأة في الدراما العربية، من حيث كونها كائناً ضعيفاً لا حول له ولا قوة، جاءت منى واصف لتقديم الصورة المغايرة فتكون صورة المرأة القوية المتسلطة متكئة في ذلك أولاً إلى تكوينها وملامحها، وهو ما أسهم بسعي المخرجين إلى تكريس هذه الصورة بهدف معلن هو مواجهة الصورة النمطية القديمة، وهدف مضمر يمكن أن يدركه أيّ عارف بالقليل من شؤون صناعة الدراما، ألا وهو الكسل وضيق الأفق الإبداعي الذي يجعل المخرج يبحث في الممثل عن الشبه الخارجي مع الشخصية المكتوبة والذي يوفر الكثير من الجهد على المخرج والفنان معاً. ومن هنا لا يعود مستغرباً أن تعلن الفنانة واصف مراراً أنّ ذروة ما قامت به في مسيرتها هو تجسيدها دور الأم في عشرات الأعمال، كما لو أنّ أهمية الأداء الفني تكمن في الوظيفة التي تشغلها الشخصية المجسدة! فهل أداء دور الأم أكثر أهمية من أداء دور العاهرة مثلاً؟ وهل تجسيد شخصية رجل الشرطة يحمل بعداً أخلاقياً أكبر من تجسيد دور المجرم؟ إنّ في مثل هذا التحديد يكمن الجهل التام بدور الفن عموماً، ويفسّر إلى حدّ كبير ما اجتهدت السلطات، السياسية والمالية، المسيطرة على صناعة الصورة في تكريسه بغية الوصول إلى صورة تخلو من المعنى وتكرّس الخواء في العقل الجمعي.

*****

تكريس الظواهر والرموز، في الإعلام العربي، يتلازم مع إطلاق الألقاب على أولئك الأشخاص، أو إطلاقها على أنفسهم، بغية إعلاء شأنهم فوق شأن زملاء لهم في المهنة ذاتها، وفوق شأن العامّة، بما يماثل وظيفة ألقاب الزعماء والملوك كـ صاحب السمو والفخامة والمعالي والأب القائد. ليصير طبيعياً أن تجد بينهم الملك والسلطان والفارس و ... إلخ.

في السنوات الأخيرة لوحظ إرفاق اسم الفنّانة منى واصف، دون معرفة المصدر، بلقب «سنديانة سوريا»، وباتت تردده هي بنفسها في معظم المناسبات التي تظهر فيها متحدثةً. بنظرة سريعة إلى مسيرة الفنانة لا يمكن التغاضي عن التقدير لما حققته من نجاحات، واحترام تطلّع فتاة نشأت في بيئة فقيرة إلى مجد سعت بجهد دؤوب حتى بلغته. غير أنّ هذه النجاحات لا تعدو كونها نجاحات شخصية، والمجد ليس إلا مجداً شخصياً لم يحمل أيّ قيمة مضافة لا للمجتمع ولا للبلاد، فهي لا تشبه، على سبيل المثال، الأثر الذي حققته أعمال فيروز والأخوين رحباني في الوجدان اللبناني والعربي عموماً، ولا الأثر الذي خلّفته أمّ كلثوم في مصر وعموم المنطقة العربية. هذه النجاحات لا تتجاوز كونها نجاح فنّانة بأداء مئات الأدوار التي أسندت إليها، وكان بالإمكان أن تؤديها أخريات لو أنّ الظروف وافقتهن. هو نجاح اتكأ بدايةً، دون شك، إلى الموهبة، غير أنّ الموهبة وحدها ما كانت لتكفي لولا عوامل كثيرةٍ مرافقة، عوامل لو أتيحت لفنانات أخريات لربما وضعتهن في وهج دائرة الضوء ذاتها. فهل النجاح والمجد الشخصي مبرر لإعلاء قيمة الفرد فوق أبناء مجتمعه؟! هل يمكن أن تختزل رمزية شجرة السنديان بفنانة لكونها فقط نجحت بأداء وظيفتها التي هي مصدر عيشها؟ ثمّ أليس في التحديد الذي حمله اللقب حين لم يكتف بالقول «سنديانة» بل جعلها «سنديانة سوريا» إجحاف بحقّ ملايين النساء السوريات اللواتي أفنين حياتهن أو خسرن أرواحهن أو أبناءهن فيما هنّ يجاهدن للنجاة في بلد ما برح يقتل كلّ طموح أو أمل بالحياة لديهن كلّ يوم؟ أليس هؤلاء هنّ سنديانات سوريا؟

نعم، لقد نجحت منى واصف في أن تكون جزءً من ذاكرتنا البصرية الجمعية، غير أنّ محاولات تكريسها بصورة الأم لم تنجح، بالنسبة إليّ على الأقل، سوى بجعلها صورة عن سوريا اليوم، إنها صورة سوريا الأم، الأم المتسلطة، الأم المتجبرة، الأم الساعية إلى إخصاء أبنائها، الأمّ التي ضحّت بالكثير من أبنائها حفاظاً على سلطتها، الأم التي لا تكفّ كل يوم عن إطلاق صرخة، أكثر دويّاً من صرخة منيرة، بغية إخراس أولادها وإرغامهم على الخضوع لجبروتها.

رامي طويل

كاتب ومترجم من سوريا، صدر له في الرواية: قبعة بيتهوفن (2021)؛ حيوات ناقصة (2018)؛ رقصة الظل الأخيرة (2014)؛ وفي القصة: امرأة عند النافذة (2022)؛ قبل أن تبرد القهوة (2015)؛ الخاتم (2008).

×