26 نيسان 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

وهمُ الثبات... والبؤسُ السوري

رامي طويل

15 شباط 2023

صورة من حلب للدمار الذي تفاقم على إثر الزلزال (Anabaptist World)

ممالك النمل

لتمضي قدماً نحو ما تصبو إليه عليك أن تضع قدمك على أرضٍ صلبةٍ ثابتة؛ هو المجاز المستمدّ معناه من صلابة القشرة الأرضية، اليابسة، التي تحتلّ الحيز الأصغر من مساحة كوكبٍ يغمر الماء، بكلّ رقّته وشفافيته، جلّ مساحته. إنها الصلابة قياساً إلى الهشاشة. بيسرٍ يمكن لكفّين أن تحملا حفنةً من ماءٍ ستنساب برفق من بين الأصابع مخلّفة ذاك الشعور بالانتعاش في مسام الجلد، غير أنّ حفنةً مماثلةً من تراب تستلزم جهداً وربّما حفراً في صخرٍ، وبين الكفين ستستقرّ ما لم تنفضانه عنهما لتخلّف فوقهما غباراً يسدّ المسام ويخفي معالم الجلد. هي الصلابة التي كرّست لدى الإنسان وهم الرسوخ في المكان، معزّزةً عنده نزعةَ الخلود فبات طبيعياً أن يختار دفن موتاه في الأرض بحثاً عن جعل رفاتهم جزءاً من تلك الأرض وبذلك يستحوذ شيئاً من صلابتها في مواجهة كونٍ شاسع ما يزال مجهولاً بالنسبة إليه. ذلك كلّه تكرّسه الصورة الجزئية بالعدسة المقربة التي أدمن الإنسان النظر منها إلى وجوده ومحيطه، متغاضياً عن الصورة الكليّة التي جعلته، عبر ما وصله منها من أجزاء اجتهد العلم للإحاطة بها، يدرك ضآلته إزاء رحابة كونٍ لا متناه. إنه إذاً جزء بالغ الضآلة، حتى يكاد يكون غير مرئيّ أو مؤثّر في المشهد الكليّ. والأرض الثابتة الصلبة التي يقف عليها ويجهد نفسه لترسيخ أثره فوقها ليست إلا قشرةً عائمة فوق بحرٍ من السوائل والحمم التي لا تعرف السكون. هي القشرة التي اختلف البشر منذ الأزل على ملكيتها ووراثتها، ساعين لترسيخ وجودهم فوقها والاستحواذ على مكنوناتها، فنشبت في سبيل ذلك الحروب، وأزهقت مئات ملايين الأرواح البشرية عبر التاريخ، واخترعت الحدود، وأوجد الطغاة حيزهم لممارسة طغيانهم وتسخير العبيد خدمةً لنزعاتهم المتعاظمة في الخلود وسعيهم نحو الأبد. أقيمت حضارات عمرانية فوق بقاعٍ مختلفة لتبقى شاهدةً على ما ظنّه ملوك تلك الأزمنة خلوداً، غير أنّ حقيقة الحركة عبر الزمن خلخلت وهم الثبات، واندثرت بلاد برمتها وحضارات كثيرة تحت وطأة الحروب والزلازل والبراكين وغيرها من عوامل تعود في كلّ مرّة لتذكّر الإنسان أنّه وغيره من كائنات لا يتجاوز حجم وجودهم الفعليّ أكثر من جزيئات في ذرّة غبار سابحة في الكون، وأنّ الكارثة التي يشهد هولها في لحظةٍ ما حين تدكّ مدينته جرّاء حرب أو زلزال هي الكارثة عينها التي يمكن أن تعانيها جموعٌ من النمل اختار ولدٌ صغير أن يعبث بمملكتها حين أغراه مشهد النمل يخرج ويدخل ثقباً صغيراً في أرض ترابية، فراح يحشر فيه قطعةً خشبية صغيرةً مدمّراً مملكةً فائقة التنظيم، هاتكاً أرواح مئات النمال في لحظة لا تعدو بالنسبة إليه أكثر من لحظة مرحٍ تبعث فيه شيئاً من البهجة، ولنا أن نتخيّل جموع النمل الهائجة كيف تنظر إليه كمجرم وطاغية أو لعنةٍ حلّت عليها.

 

قبل يوم واحد من الزلزال

المدن السورية غارقة في العتمة. هي عتمة تطبق عليها منذ سنوات بعد حرب دمّرت ما دمّرته، وقتلت مئات الألوف (في غياب إحصائيات دقيقة) كما هجّرت الملايين. سنوات من البؤس والألم اختبر فيها السوريون كافّة أشكال الموت حتى بات رفيق يومياتهم يدثرونه معهم في البطانيات التي يلتحفونها اتقاء لبرد الشتاء في ظلّ انعدام مختلف وسائل التدفئة.

ما عادت المدن السورية تشبه ما كانت عليه قبل عشر سنوات، البؤس الرتيب الذي عرَفَته على مدى خمسين عاماً منصرمة صار شرساً يعمل مخالبه في كلّ مفاصل الحياة فيها. ذاكرة السوريين التي اقتصرت لعقودٍ طويلة على اسم واحد ونشيد واحد ولباس واحد وطموح ضئيل واحد، وواحد من كلّ شيء، باتت الآن تئنّ تحت ثقل المسميّات، المدن المدمّرة، الأحباء الراحلون، الغرقى، المهجرون، النازحون، أصوات البنادق، القصف، روائح الركام، الغبار، البطاقات الذكية، رسائل إلكترونية تبلغهم بمستحقاتهم من الخبز وباقي مستلزمات العيش.

قبل يومٍ واحد من الزلزال كانت العتمة واحدة في مختلف المناطق السورية. أحياء المدن باتت متخمة بالمقاهي. الطوابق الأولى من معظم الأبنية السكنية تحولت إلى مقاهٍ، وجميعها، ما إن تغيب شمس النهار، حتى تمتلئ بالزبائن؛ لكنهم ليسوا زبائن المقاهي المعتادين، ليسوا العجائز ولا المتقاعدين يزجّون الوقت بالتسلية، إنهم شبّان وشابات في مقتبل العمر، أولئك الذين كانوا أطفالاً يوم اندلعت الحرب، جلّهم طلاب جامعات يحملون هواتفهم وكومبيوتراتهم النقالة إلى المقاهي التي توفّر لهم كهرباء حرموا منها في بيوتهم، ينجزون مراسلاتهم التي يطمحون أن تسمح لهم بالسفر إلى أيّ مكان في هذا العالم، يرطنون بلغات أجنبية يتعلمونها تتصدرها اللغة الألمانية، حيث ما تزال ألمانيا الوجهة الأكثر يسراً من وجهة نظرهم. بين أولئك تجد أبناء سائق التكسي الذي روى لك نهاراً أنه بذل جهده ووقته في العمل حريصاً أن ينهي أبناءه الثلاثة دراستهم الجامعية علّهم يحظون بفرصة الهجرة إلى مكان يستطيعون فيه العيش بسلام. وبينهم ستجد الصبية المنشغلة بإتمام مراسلتها مع إحدى الجامعات الألمانية وهي تقطع عملها لتهاتف أبيها مبلغةً إياه بتلقيها رسالةً تفيد بوصول الخبز عارضةً أن تقوم بإحضاره في طريق عودتها. وتلك التي تحادث زوجها الذي نجح بالوصول إلى ألمانيا قبل سنوات ويعمل على أن تذهب إليه عبر ما يعرف بـ «لم الشمل». في الخارج يمكن رؤية آباء وأمهات يعبرون حاملين حصصهم من الخبز الذي لم يعد يومياً، وبعضهم قد افترش الطريق يقوم بالتعامل مع الأرغفة وإبعاد طبقاتها عن بعضها البعض حرصاً على أن تدوم بأفضل حال لأطول فترة ممكنة.

بشيء من الحياء يسرّ لك صديق اعتكافه عن رؤية الأصدقاء وتفضيله البقاء حبيس جدران منزله معظم الوقت «الكل بدو يحكي نفس الحكي اللي أنا عم عيش تفاصيلو يومياً من عشر سنين». نعم لقد اختلفت أحاديث السوريين، تلاشى الحديث عن الرغبة بالوصول إلى حياة عصرية كريمة في بلد يحترم حقوقهم وحريتهم ويتيح لهم العيش بأمان في كنف عائلاتهم، كما تراجعت أحاديث الحرب عن الانقسام بين موالاة ومعارضة لصالح الشكوى من انعدام أبسط مقومات الحياة ورغبة الأبناء بالفرار من هذا الجحيم واجتهاد الآباء والأمهات بالسعي لإنقاذ أبنائهم مكررين العبارة ذاتها في كلّ مرة: «نحنا راحت علينا، ما بدنا ولادنا يعيشوا اللي عشناه». ليست أحاديثهم فقط التي باتت متشابهة حدّ التطابق، بل وجوههم أيضاً، بؤس الملامح، النظرات الفارغة الهائمة، حركة أجسادهم المنهكة في سعيها المحموم للحصول على ما يفترض أنه بات من بديهيات الحياة المعاصرة. لقد تخلّص السوريون من فكرة الواحد الذي أحكم خناقهم لعقود طويلة إلا أنهم اليوم باتوا خاضعين لبؤس واحد يجمعهم ويسمهم بأنهم أكثر شعوب الأرض بؤساً.   

وسط كلّ ذلك قد تذهلك أعداد المباني الهائلة التي راحت تشمخ في مختلف المناطق وبطريقة عشوائية، المنتجعات السياحية التي تؤمن خدمة النجوم الخمسة، المطاعم الفاخرة، السيارات الفارهة التي تعبر الطرقات معظم الوقت دون أن تعاني من فقدان الوقود. نعم، هؤلاء سوريون أيضاً. إنهم القلّة التي اختارت المتاجرة بدماء أبناء جلدتها فراكمت الثروات التي كانت تتضاعف كلّما أزهقت روح جديدة أو هُجّر مواطن أو دمّر بيت فوق رؤوس أصحابه. مشهدٌ قد يتيح لنا تفسير العبارة التي قالها أحد شعراء العاميّة يوماً في مديح القائد: «إنت الأبد... والناس من بعدك عدد».

 

«بلد واحد هو العالم»

لما يزيد عن العشر سنوات كانت الأرض السورية، بحدودها الجغرافية التي استقرّت إليها في السنوات المئة الأخيرة، مسرحاً لكلّ صنوف الموت. وفي الوقت الذي مثّلت فيه تلك الحدود عائقاً أمام من رغب بالفرار من وحشية الموت، كانت في الآن نفسه بوّابةً مشرعة لعبور كافّة أدواته، فتدفقت الأسلحة والأموال والمقاتلون من مختلف الجنسيات واتخذ الصراع أبشع الأشكال التي تعرفها الحروب، طمعاً من الأطراف جميعها بإحكام السيطرة على تلك البقعة من الأرض، اليابسة. جابت الطائرات الأجواء قاطعة آلاف الكيلومترات لتدكّ مدناً وقرى فوق رؤوس أبنائها، اجتازت الدبابات مئات الأميال لتقذف المواطنين بحممها، أمضى المقاتلون شهوراً طويلةً يتبادلون إطلاق النار ويردون القتلى للاستحواذ على أمتارٍ قليلة لم تتعدّ في بعض الأحيان العشرين متراً. صارت البلاد خراباً، قطّعت أوصالها حتى بات الوصول إلى آخر بقاع الأرض أكثر يسراً من العبور من قرية إلى قرية مجاورة. صارت المسافات بين السوريين شاسعةً بما تعجز مخيلتهم عن قياسه، لتقرر الأرض أخيراً أن تميد تحت أقدامهم وتزلزل وهم ثباتهم فوقها. قرابة الثلاثين ثانيةً كانت كافيةً لتعلن الأرض أنها كتلة من الهشاشة بلبوس الصلابة مزيلةً وهم الحدود والفوارق والمسافات، مذكّرةً السوريين أنّ المدن التركية التي ضربها الزلزال كانت حتى وقت قريب مدناً سورية، وأنّ مرسين ومرعش وأضنة وعينتاب وماردين وديار بكر، وغيرها الكثير من المدن والقرى لم تغدُ تركيّةً إلا إثر معاهدة لوزان 1923 التي منحت بموجبها فرنسا، بصفتها دولة الانتداب على سوريا، مساحةً تفوق الثمانية عشر ألف كيلومتر مربع من الأرض السورية للدولة العثمانية. ثلاثون ثانية فقط كانت كافيةً لجعل عينتاب وأنطاكية واسكندرون وحلب وإدلب واللاذقية وغيرها من المدن موحّدةً بالنكبة والبؤس والوجع رغم الحدود الوهمية التي فصلتها لسنوات عن بعضها البعض. ثلاثون ثانية اهتزت فيها أحلام الشباب، آمال الآباء والأمهات، مستقبل الأطفال، ليصحو الجميع على ركام يغمر مدنهم. البيوت التي كانت ملاذهم الآمن رغم افتقارها لأبسط مقومات الحياة صارت ردماً. هذه المرّة لم يَخف أحدٌ فيما آخرون ينظرون إليه بعيون متعاطفة متمنين ألا يصيبهم ما أصابه، إنّه ذعرٌ واحدٌ امتدّ على طول البلاد مجتازاً الحدود، مزلزلاً الجميع، تاركاً لكلّ فردٍ على هذه الأرض حصّته من المصيبة. ثلاثون ثانية كانت كفيلةً بتغيير المشهد الذي استغرقت الحرب ما يفوق العشر سنوات لرسمه ووصم السوريين به. البلاد التي لم تحر سبيلاً للحصول على كافّة أنواع العتاد العسكري بغية تدمير المدن، تقف أمام الكارثة عاجزةً عن تأمين معدّات تسهم برفع الركام وإنقاذ الضحايا. الذهول الذي خيّم على البلاد ساعات بعد حلول الكارثة ينفضه عنهم الشبان الذين أمضوا ليلتهم في المقاهي وهم يهرعون بأجسادهم وسواعدهم الهزيلة لنبش الردم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجساد أحبة علقوا تحتها. هم الشبان ذاتهم الذين تسعى البلاد لتهجيرهم وإلحاقهم بمن سبقوهم إلى أصقاع الأرض. تعود سوريا لتحتل مقدمات نشرات الأخبار التي كانت قد تخلّت عن اعتبارها خبراً رئيسياً منذ سنوات، ولكن هذه المرّة يتقدّم الخبر التركي على السوريّ. فمركز الزلزال هو أرض تركيّة منذ مئة عام، رغم ذلك فالمشاهد واحدة، دمار وركام، أجساد ترزح تحت الأنقاض، جثث تنتشل، وبعض الأحياء ينجح المنقذون بإخراجهم مرفقين ذلك بالهتاف والتهليل. وفيما تتدفق المساعدات الإنسانية وفرق الإنقاذ الدولية إلى المدن التركية المنكوبة يخرج الشقاق الدولي والمحلي حول المدن السورية المنكوبة. صراعات حول الجهات الأولى بالإغاثة، سباق محموم حول سرقة ما يصل إلى البلاد من مساعدات، يستنكر السوريون الأمر ولا يستغربونه، فاللصوص هم ذاتهم من أدمنوا سرقتهم والمتاجرة بدمائهم منذ اثني عشر عاماً، أصحاب السيارات الفارهة والمنتجعات السياحية والمطاعم الفاخرة، تجار الموت والسلاح والمخدرات، وهم من قاموا ببناء تلك المباني تحت جنح الفساد فاقدة لكلّ معايير السلامة، وهم من باعوها وأجروها لأولئك المساكين بأسعار خيالية. ما يجعل الجميع يلهج بالعبارة ذاتها: «الزلزال طبيعي لكن الكارثة صناعتنا».

دولٌ عدّة تعلن عن إرسال المساعدات إلى المدن السورية المنكوبة واضعةً في معاييرها «الإنسانية» ما تخضع إليه تلك المدن من نفوذ، غير أن مجمل تلك المساعدات لا يعادل ثمن شحنة أسلحةٍ واحدة مما كانت تلك الدول على مدى سنوات تغرق الأرض السورية بها. يهبّ السوريون في أصقاع الأرض لنجدة أهلهم تكفيراً عن شعورهم بالذنب لكونهم يعيشون في مناطق آمنة، يهرع السوريون غير المتضررين لنجدة أبناء جلدتهم وقد تلاشى من نفوسهم الشقاق الذي عملت الحرب وأربابها على تكرسيه لسنوات. تعود المنشآت العامّة ودور العبادة التي عملت كمراكز إيواء للناجين من حمم الحرب لسنوات فتفتح أبوابها للناجين من الكارثة ممن فقدوا بيوتاً كانت تسكنهم أكثر مما سكنوها. تمضي الساعات والأيام ويتكشّف هول الكارثة أكثر فأكثر. لقد ضرب الزلزال بلداً مهترئاً نخرته الحروب والفساد حتى ما عاد يقطنه غير الفقراء عديمي الحيلة، الناجين بالصدفة من أهوال الحرب، واللصوص الذين يواصلون مصّ دمائهم وسرقة حتى معونات الإغاثة الواصلة إليهم بعدما حلّت الكارثة فوق رؤوسهم متجنبّة، كالعادة، رؤوس اللصوص ومجرمي الحرب.

*****

من بين الأنقاض انتشلت السواعد العارية بعض الأرواح الناجية، وتحتها دفنت آلاف الأرواح ممّن ظنّوا أن الموت قد تجاهلهم بعدما توقفت الحرب. بدأ السوريون خارج تلك الحدود الجغرافيّة يعانون عقدة الناجين باذلين قصارى جهدهم للتكفير عن نجاتهم التي صارت بمثابة الخطيئة. وفي الداخل عاد الذعر الذي رافق السوريين طيلة سنوات الحرب مضاعفاً، حتى الأطفال المولودون في السنوات الأخيرة والذين اطمأنت عائلاتهم إلى أنهم لم يعرفوا أصوات القذائف باتوا الآن مذعورين، الشبّان وهم ينفضون الغبار عن أيديهم باتو يلهجون باستعجال لمغادرة هذه البقعة الملعونة من الأرض. الآباء الذين تلكأوا بمساعدة أبنائهم على الهجرة طمعاً ببقائهم جوارهم باتوا يشعرون بالذنب أمام نظرات الأبناء اللائمة، جميع من حلّت بهم الكارثة باتوا عاجزين حتى عن النوم، لقد تلقّوا الكارثة وارتداداتها التي تواصلت لأيام حتى باتوا يشعرون بالأرض تترنح تحت أقدامهم طوال الوقت. الوساوس القهرية وجدت مرتعها الآن في أذهان السوريين. الجميع يتهافت على الأدوية المهدئة طلباً لساعةِ غفلةٍ عن هذا العالم. بينما يواصل العالم وتجار الحروب ألعابهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، فكلّ كارثةٍ هي فرصة لغنائم جديدة.

لقد تكاثفت أهوال الحياة خلال عقد من الزمن داخل بقعة جغرافية صغيرة شهد أبناؤها من الويلات ما يحتاج غيرهم إلى أجيال وأجيال لاختبارها، وبات بالإمكان اليوم استعارة عنوان رواية الروائي السوري هاني الراهب وإطلاقه بجدارة على تلك البقعة الجغرافية من الأرض «بلد واحد هو العالم». هي بقعة صغيرة وسط وهم اتساع كرةٍ أرضية لن تكف عن الترنّح بحسب توصيف الشاعر طلال حيدر:

«هالأرض جايي مرنّحة بتهز ع الميلين

وع كتر ما هي خفيفة بيحملوها تنين

وصغيّرة طير الحمام بيقطعا بيومين

وع قد منّها صغيّرة خمّنتها بعدين».

نعم لم يعد السوريون بعد اليوم بؤساء... لقد صار البؤس سوريّاً.

رامي طويل

كاتب ومترجم من سوريا، صدر له في الرواية: قبعة بيتهوفن (2021)؛ حيوات ناقصة (2018)؛ رقصة الظل الأخيرة (2014)؛ وفي القصة: امرأة عند النافذة (2022)؛ قبل أن تبرد القهوة (2015)؛ الخاتم (2008).

×