19 نيسان 2024

× الرئيسة اليومية سياسة أرشيفنا
×

نيقوسيا، حين يمرّ السلام مسرعاً

محمود مروّة

26 كانون الثاني 2023

العدد الثاني
صورة جوية لمدينة نيقوسيا (عن الموقع السياحي miavolta)

كان ذلك عام 2019، في ريبورتاج أعِدَّ لـ«أوريان 21» ويعاد نشره بتصرّف.

عن المدينة حيث ولِد هذا الموقع.

 

حلّ الخريف هنا، في هذه المدينة التي تحمل ثلاثة أسماء ويشقّها «خط أخضر» يفصل بين عاصمتين؛ جنوبية عضو في الاتحاد الأوروبي، وشمالية لا يعترف بها سوى تركيا. كنّا في السيارة حين سمعنا أنّ الأخيرة بدأت لتوِّها اجتياحاً عسكرياً في شمال شرقي سوريا، ما استفزّ أندرياس، القومي، وسارع إلى تذكيري بقوله: «كلّ من يأتي يرحل، إلا الأتراك».

يبقون. لقد خَبُرَت نيقوسيا ما يبدو قدَراً منذ نحو 45 عاماً. في 20 تموز/يوليو 1974، يوم اجتاحت القوات التركية شمالي الجزيرة محتلةً أكثر بقليل من ثلث مساحتها وبعض المدينة، وذلك «دفاعاً عن القبارصة الأتراك» بمبرر الانقلاب الذي رعاه العسكر الحاكمون في أثينا من أجل اتحاد اليونان والجزيرة.

هذه الأعوام كلّها عرفها ديمتري، الأستاذ المتقاعد الذي كان لا يزال في أوّل شبابه يوم انقسمت المدينة. كان جالساً ينتظرنا أمام منزله قبل أيام قُدَّامه طاولة وركوة، وكرسيان سأعرف أنّهما لمن قد يود الجلوس من جيران هذا الزقاق.

يقع المنزل جنوبي نيقوسيا القديمة/التاريخية، أو «نيقوسيا المسوّرة» بسورها الأثري الذي يمتد في شطريها، بمحيط دائري من نحو خمسة كيلومترات. لقد استحالت المدينة في رأيه إلى «رمز لانقسام الجزيرة»، وصارت النظرة إليها «رومانسية... فبخلاف المدن الساحلية، كانت دوماً جوهرة البلد لأنّها المدينة المسوّرة».

هكذا كانت بداية اللقاء مع الستينيّ الذي ينبئ الانطباع الأوّل عنه بحبّه للكلام. لا بدّ أنّه «سيكون حكواتي المدينة لو ولد زمن الحكواتيين في مدن مثل صيدا، أو طرابلس، أو دمشق»، على قول الصديق اللبناني المشترك، قبل أن يسارع ذو البشرة الحنطية إلى التعليق ضاحكاً: «أتعرف! كلّ شيء يدور حول القصص. غير ذلك هراء».

يحدّثني عن محيطه حيث نحن، فيقول إنّ هذا الجزء التاريخي، في الجنوب، «هجره أهله تدريجاً في 1963 و1967 و1974»، في إشارة إلى عام الانقسام وإرهاصاته التي تتالت بعد مجرّد ثلاث سنوات على الاستقلال عن الاستعمار البريطاني. ولا يفوته أن يقول هنا، كأنّه يحاكم مرحلة كاملة، إنّ «النضال من أجل الاستقلال لم يكن سعياً للتحرّر على غرار الجزائر مثلاً، وإنّما الهدف تحقيق الوحدة مع اليونان!».

 

تغيَّرَ الوسط التاريخي

كانت قبرص قبل 1974 «مركباً، وكل واحد يريد له أن يبحر باتجاه هذا الوطن-الأم أو ذاك»، اليونان أو تركيا، كما يوجز بحصافة أستاذ الأدب القبرصي يورغوس مولسكيس، في نص بعنوان The Homeland in Cypriot Poetry [الوطن في الشعر القبرصي].

ففي الواقع، «على امتداد القرن العشرين، عندما بدأ الوعي القومي بالتشكّل داخل الجماعتين، القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، شدّدت كلتاهما على حدّ سواء على أنّ الجزيرة يونانيّة أو تركيّة»، يوضح أستاذ التاريخ القبرصي نيكوس كريستوفيس في حديث خاص. ويلفت إلى أنّ «الجماعتين ركّزتا على الفظائع التي ارتكبتها كلّ واحدة بحقّ الأخرى (بمعنى أنّ) القبارصة الأتراك ركّزوا على الستينيات حين أجبرهم عنف القبارصة اليونانيين على الهرب، فيما بدأ كلّ شيء بالنسبة إلى الأخيرين عام 1974 مع الغزو التركيّ والفظائع التي رافقته».

يوضح ديمتري أنّ «المنازل تحوّلت غالباً إلى ورش ومعامل» بعدما «غادر الناس المدينة القديمة» القبرصية اليونانية على إثر أحداث الستينيات والسبعينيات، ملاحظاً أنّ العودة إليها لم تبدأ «سوى منذ مدة غير بعيدة»، مدفوعةً بتمويل غالبيته أوروبي لإحياء الوسط المهجور. يقول: «حين اشترينا منزلنا هنا أنا وزوجتي في بداية الثمانينيات كانوا ينتقدوننا ويسألوننا: هل تريدون العيش بين بيوت الدعارة؟».

حكايات مشابهة عن تغيّر السكان وهجرة الأماكن لذاتها يرويها أشخاص في الشمال القريب على مرمى حجر، مع فارق أساسي عرفه هذا الشطر بقدوم أعداد كبيرة من سكان الأناضول إليه ضمن ما عُرِف بـ«سياسات التتريك».

قبرصي-تركي صاحب مكتبة في السوق الشعبي العتيق يأسف لأنّ «أكثر من نصف السكان هنا صاروا من الأتراك؛ نحن قبارصة أتراك ولسنا أتراكاً»، قبل أن يضيف بشيء من المزاح: «تركيا تريد إنهاءنا وجعلنا أكثر تديّناً ومحافظةً».

نعم، «أنا من عند رجب طيب إردوغان»، يجيب قهوجي عشريني في كشك غير بعيد عن تمثال أتاتورك. يقول آخر: «أنا أتيتُ من أضنة قبل 25 عاماً... كنتُ أعمل أستاذاً، أستاذَ تربية بدنية».

 

في جدار

في هذه المدينة، وهي نيقوسيا بالإنكليزية، ولفكوسِيا باليونانية، ولفكوشا بالتركية، يبدو الخط الأخضر، الذي تشرف عليه قوات أممية ولم يُسمح للقبارصة بعبوره بالاتجاهين إلا منذ 2003، كأنّه مرسوم بدقّة في بعض تعرّجاته داخل السور، رغم أنّ ذلك يتعلق عملياً بتوزّع الأحياء ديمغرافياً في 1974. فكان يمكن، ربما، للقوات التركية أن تتقدّم في مساحات أكبر على هذا المحور. غير أنّ الأتراك اكتفوا بتشكيل مسافة آمنة بجوار مسجد السليمية، أو «آيا صوفيا نيقوسيا»، فيما حمى اليونانيون كنيسة Faneromeni التي كثيراً ما تزَيَّن باحتها بأعلام يونانية صغيرة تعلّق في الهواء على حبال.

كذلك، ضمّ الأتراك إلى أراضي الجمهورية التي ستولد رسمياً بعد تسع سنوات حيَّ عرب أحمد المسمى باسم أحد قادة الجيش العثماني الذي غزا المدينة نهاية القرن السادس عشر، وأتبعوا لهم كنيسة أميركية في آخره ووقفوا عندها. لمجرّد الإشارة لا الربط، تحيل مروية شعبية ردّدها قوميون من القبارصة اليونانيين سببَ نجاح القوات التركية في دخول المدينة إلى «خديعة كيسنجر»: «خدع كيسنجر مقاومتنا العسكرية المنتشرة في الجبل»، كما ينقل أندرياس عن جدّه الذي «كان هناك». وهو الجبل الذي شيّدت نيقوسيا تاريخياً في السهل المنفرش أمامه.

ديمتري أمام منزله (من مجموعة خاصة)

غير أنّ هذين الشطرين يعيشان حياتين لا تجمع بينهما سوى نقاط مشتركة قليلة. حتى العمارة قليلاً ما تتشابه. ويرى أحمد الواقف داخل متجره على مسافة أمتار قليلة من إحدى نقاط العبور أنّ «الشطر الجنوبي منظّم أفضل... ذلك أنّهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي ولديهم دعم وما إلى ذلك».

تبرز الجداريات كواحدة من المشتركات، وقد تصلح جملة «اترك لوناً» المطبوعة على أحد جدران الجنوب لتكون شعاراً لهذا الفن. تجعل القاصة القبرصية اراتو ايوانو جدارية تتكلم في قصة صدرت لها في الكتاب الجماعي Nicosia Beyond Barriers [نيقوسيا ما وراء الحواجز]: «كلّ ما أعرفُه أنّني ما أنا عليه... أنّني في جدار... لا بدّ أنّ ثمّة شيئاً ما بين الجدران وهذه المدينة... هل حاولتَ يوماً الهرب من الجدار؟ أن تسير خارجه؟».

ثمّة من فعل. ففضلاً على الجداريات هناك أشخاص يوحِّدون بين الشطرين على غرار الشابة معلِّمة اليونانية نيكوليتا التي تشير إلى «قضايا مشتركة» تجمعها مع رفقة لها في الشمال. «مثلاً؟»، «قضايا سياسية أو حتى ذات طابع تربوي على علاقة بالتاريخ الذي نتعلمه بين الجانبين». مثلها سبيروس، المصوِّر الذي يقول إنّه يجد صعوبة في العثور على صور ضمن مجموعته «على علاقة بمسألة الانقسام... إنّه تحدٍّ لي لأنّني لا أرى الانقسام في المدينة. على الأقل، لا أراه عبر الأشخاص المحيطين بي».

هناك صحافيون أيضاً قد لا يفعلون سوى التعاون بينهم، ومنهم من شارك عام 2018 في مشروع لإصدار كتيّب حول المصطلحات السياسية والاجتماعية ومغزاها بين الجانبين، بعنوان Words That Matter [الكلمات التي تهم].

 

الذاكرة، التاريخ، القومية

لقد أمطرت أمس في نيقوسيا، وهي المرّة الأولى هذا العام. قد يكون الفصل المقبل غزيراً كالشتاء الذي مضى. لكن لا الشتاء ولا أي فصل آخر محا على مدار نحو نصف قرن «إرث العنف المؤسس» في قبرص التي «يمكن التعريف بمسألتها عبر المسار الطويل لبناء قوميتين متنافستين»، وفق نيكوس كريستوفيس.

يرى الرجل الذي يعتمد كشعار لمدوّنته عبارة «إنّ الفهم الخطأ للتاريخ شرط ضروري لكينونة الأمة» للمؤرخ والمستشرق الفرنسي إرنست رُنان، أنّ «الذاكرة الجماعية، أو الانتقائية، لعبت دوراً أساسياً (لدى الطرفين) لتأكيد أنّ جانباً على حق والآخر على خطأ».

- هل تقصد قبرص بعبارة رُنان؟

- أعتقد أنّ مقولته من أهم الأقوال في التاريخ وأبعدها نظراً. لا ينحصر تطبيقها على قبرص، وإنّما تشمل حالات عدّة في أنحاء العالم، لكن حين يتعلق الأمر بقبرص فإنّها عنصر مركزي في مسار بناء الأمّة.

تعرقل لعَبُ الذاكرة والقوميات «التي تبقى أصواتها تشكّل الغالبية، فيما خطوات المصالحة هامشية»، مثلَ هذا المسار في الجزيرة، وفي عاصمتها الرمز.

تقول صاحبة متجر ستينية في الجنوب: «لستُ ضدّ القبارصة الأتراك لكنّي غير مستعدة للعبور نحو الجهة الشمالية حيث سيتوجبُ عليَّ أن أقدِّم بطاقة هويتي في بلدي، لتتفحصّها سلطة أراها غير شرعيةٍ». كان اللقاء مصادفةً في مكتبة. إلى جانبها، وقف ثلاثيني لم يتوانَ عن المداخلة: «لا أكرهُ أحداً لكنّني لم أذهب إلى الشمال سوى مرّة واحدة... حين ذهبتُ أخذتُ مياهي وأكلي في حقيبتي. لا أريد شراءَ شيءٍ من هناك حيث الاحتلال».

يضيف: «لوالدتي أملاك في الشمال لكن جرى احتلالها»، في إشارة إلى مسألة الملكيات التي تعدّ من أكثر النقاط تعقيداً في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة. هنا، توضح الناشطة داريا بياتلي أثناء اللقاء بها في الشطر الشمالي أنّ «كثراً مستفيدين (من هذا الأمر الواقع). ثمّة في الشمال أناسٌ كوّنوا ثروات بفضل أملاك لقبارصة يونانيين». مع العلم أنّ استثناءً وحيداً خرق القاعدة حديثاً باستعادة نيكولاس سكوريدس أرضه الواقعة في مسقط رأسه شمالاً. تبلغ مساحتها 349 متراً مربعاً، وقد نجح في مسعاه بالتعاون مع لجنة الممتلكات غير المنقولة في الشمال التي تأسست عام 2006 للتعامل مع «المطالب المرتبطة بالممتلكات المهجورة».

يبدو الخط الأخضر كأنّه مرسوم بدقّة في بعض تعرّجاته داخل السور (VOXEUROP)

ستينية أخرى تروي حكايتها لكن هذه المرّة من الضفة الثانية للخط الأخضر. تقول: «نحن أصلاً من مدينة بافوس (جنوب-غرب، ضمن قبرص اليونانية حالياً). كان والدي يملك كروماً من العنب يبيع محصولها لمنتجي النبيذ» من القبارصة اليونانيين.

- أين هي هذه الكروم اليوم؟

- ذهبت... نحن القبارصة الأتراك بدأنا نتجه شمالاً في الستينيات... في 1974 كنا نركض خشية القتل.

- والآن؟

- ننام مطمئنين... لا أعتقد أننا سنتوحد مجدداً. لنبقى هكذا مقسمين، هذا أفضل.

يكاد الثلاثيني مصطفى الذي يعمل في دار نشر محلية في الشمال يوافق على هذه الخلاصة. غير أنّ الحل الأفضل في رأيه هو «إنشاء فيدرالية». يقول: «ينبغي للجمهوريتين الخروج مما تريانه نطاقات مريحة والذهاب نحو الحلّ الفيدرالي الذي يسمح بتشارك السلطة لكن بصيغ جديدة خارج أطرهما». وبينما يشدد على أنّ «الزمن لن يعود أبداً إلى ما قبل 1974»، يلفت إلى أنّ على الجنوب إدراك أنّه «كلما تأخّر السلام أو الحل، صار الشمال أكثر ارتباطاً بتركيا».

 

«نهاية الطريق»

في مكان غير بعيد من جادة مكاريوس الثالث، الرئيس-الأسقف الذي انقلب عليه اليونانيون عام 1974 وتردد حينذاك أنّ كيسنجر كان يرى فيه فيدل كاسترو شرقي المتوسط، لا يأبه صحافي قبرصي مخضرم حين تُطرَح عليه فكرة «ريبورتاج عن هذه المدينة بصفتها آخر العواصم المقسمة». لكنّه يستطرد في تعليقه ليختمه بقصة عن بيروت.

«في نهاية الثمانينيات، كان اليمين القومي هنا (في الجنوب) ساذجاً. اعتقدوا أنّ من الممكن تبنّي قاعدةَ: عدوّ عدوّي صديقي... في تلك المرحلة، ذهبتُ مع وفدٍ إلى بيروت حيث يفترض بنا أن نلتقي عبد الله أوجلان. انتظرنا نحو ثلاثة أيام في فندق بشارع الحمراء. لم يلتقوه وإنّما ممثلون عنه». «لقد كانت رحلة جيّدة»، يقول ساخراً.

على أيّ حال، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة شرق المتوسط (في الشمال) أحمد سوزن أنّ «الجماعتين القبرصيتين أخفقتا في تجاوز خلافاتهما حول قضيتين جوهريتين: الحوكمة وتقاسم السلطة، والأمن والضمانات». ويبدي الرجل الذي شارك في عدد من المفاوضات اعتقاده بأنّه «بعد أكثر من خمسين عاماً» على الجولة الأولى، ثمة «ثلاثة عوائق تقف أمام سلام حقيقي وحلّ مستدام».

«أولاً القدرة على صياغة تسوية بين القادة والضامنين، وهذا أمر عسير بالفعل لكن حتى لو توصلنا إليه لن نكون وصلنا إلى نهاية الطريق. ثانياً عرض خطة السلام المتوافق عليها من الجميع على استفتاءين متزامنين (في الشمال والجنوب) وهذا أيضاً صعب جداً، وحتى إذا حققناه، فلن نكون قد وصلنا إلى نهاية الطريق».

تذكِّر لازمة «نهاية الطريق» في عرض سوزن بعبارة الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس: «طريق واحد بسيط لا يقود إلى المستقبل». ما قد يناسب قبرص ربما.

أما ثالثاً، «ولكي ينجح الحل، فثمة حاجة إلى إنشاء مؤسسات فيدرالية مرنة وقادرة على امتصاص الصدمات والصراعات بين الجماعتين، وليس كما كانت حال مؤسسات 1960».

 

«لكن فات الأوان»

لا سياح في معبر «ليدرا بالاس» عند أطراف المدينة، ولا عبور كثيفاً كما الحال في شارع ليدرا التجاري. نحو مئتي متر تفصل بين نقطتي العبور هنا، ويتوسطهما «بيت التعاون» الذي تأسس عام 2011 وتندرج أعماله في خانة نشاط المجتمع المدني لبناء سلام. بمجرّد الإشارة عند النقطة الأمنية الجنوبية إلى أنّ الوجهة هي ذاك البيت، لا يتخذ الشرطي أي إجراءات. حصراً ينظر إلى الأوراق الثبوتية، ويمزح: «إذاً، لن تعبر إلى المنطقة المحتلة!».

كان هذا المنزل يعود إلى عائلة مانغويان الأرمنية قبل بيعه، ويرد في كتاب المؤرخة البريطانية غايل روث هوك Protectorate Cyprus: British Imperial Power Before WWI [قبرص تحت الحماية: القوة الإمبريالية البريطانية قبل الحرب العالمية الأولى] أنّ هذه العائلة «كانت بين مجموعة من الأرمن اللاجئين الآتين من كيليكيا». ويضيف: «وصل أفرادها إلى مدينة لارناكا (جنوب) في كانون الأوّل/ديسمبر 1920... أسس الشقيقان هايغاز وليفون استديو تصوير في فاماغوستا (شرق، وتتبع الآن للشمال) ثم انتقلا إلى نيقوسيا حيث صارا المصوّرَين الرسميين للحكومة الاستعمارية». الغالب أنّهما من شيّده في الخمسينيات.

أما في وقتنا، فيعرّف القيّمون عليه نشاطهم بأنّه «يشجّع الناس على التعاون بينهم بعيداً عن القيود والخطوط الفاصلة». لكن كيف ذلك؟ تشرح خيرية روزغار من المكتب الإعلامي أنّ الأمور «تجري أولاً عبر هذه المساحة التي يمكن للجميع الوصول إليها. حتى الذين يتعذر عليهم العبور بين الجهتين في مقدورهم اللقاء هنا».

«ثمة الفكرة أيضاً: جمعُ الناس بناءً على الاهتمامات المشتركة والشغف»، تقول.

إنّما في ذاك اليوم، كان ديمتري قد بدأ يلملم أغراضه حين شارفت جلسته الصباحية على نهايتها. أذان يعلو من أحد المساجد القريبة في الشطر الآخر وهو يدعوني ليريني مزاراً «لأحد القدّيسين الأرثوذوكس». يقول: «يمرّ أناس من هنا لأخذ البركة صباحاً. يرون أنّ هذا المزار أرثوذوكسي تاريخياً، ولكنّه كان كاثوليكياً قبل».

- ما أريد قوله هو أنّهم علّمونا حين كنا صغاراً أنّ قبرص تقع عند ملتقى الحضارات ولكنّهم نسوا أن يخبرونا التفاصيل. يريد المؤرِّخون إثبات أننا يونانيون، ولكن تحت الهويات الحالية ثمة سويات أخرى عدة.

- أخيراً، هل ترى أنّ السلام قريب؟

- لا أعرف. ربما سنصل متأخرين... انظر إلى أميركا وأوروبا: إنّهم يعودون إلى القوميات... في الماضي، شاهدتُ وثائقياً عن بيروت. تعلّمنا الأمر نفسه: لن نتحارب، لكن فات الأوان. إنّ العالم يسير في الاتجاه المعاكس.

محمود مروّة

محرِّر موقع المراسل. عمل في الصحافة المكتوبة في جريدتي السفير والأخبار اللبنانيتين وفي وكالة الصحافة الفرنسية.

×